أغنية (أم العيون السود) أيقونة التراث الغنائي العراقي الجميل

2021-03-10

د. باسل يونس ذنون الخياط

أغنية (أم العيون السود) أيقونة التراث الغنائي العراقي الجميل


أغنية (أم العيون السود) أيقونة التراث الغنائي العراقي الجميل
الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
 
أغنية "أم العيون السود" من الأغاني الخالدة التي صاغ ألحانها الملا عثمان الموصلي، وهي أيقونة التراث الغنائي العراقي الأصيل، وستبقى باسقة بأغصانها الوارفة وكلماتها العذبة على مرِّ العصور.
 
لقد اشتهرت هذه الأغنية بصوت الفنان الأصيل وحارس تراث الأغنية العراقية ناظم الغزالي (1921-1963)، وكانت سببا في شهرة الغزالي نفسه.
 
 
وقد غنت هذه الأغنية أيضا الفنانة الكبيرة فريدة:
 
 
وكذلك غناها الفنان كاظم الساهر:
 
 
وغنتها أيضا أصيل هميم في مهرجان ربيع سوق واقف عام ٢٠١٨:
 
 
وقد انتشرت هذه الأغنية في معظم أنحاء العالم العربي، وغناها فرج درويش و كادار احمي:
 
 
وغناها أيضا الفنان التونسي لطفي بوشناق:
https://www.ournia.co/.../%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D9%85-%D8...
 
"أم العيون السود" الأغنية الوداعية لناظم الغزالي:
لقد كانت سنة 1963 هي سنة وفاة ناظم الغزالي، وكان وكأنه يهيئ نفسه للرحيل. فقبيل وفاته سافر إلى بيروت وأقام فيها 35 حفلاً، وسجل العديد من الأغاني للتلفزيون اللبناني، ثم سافر إلى الكويت، وسجل قرابة عشرين حفلة بين التلفزيون والحفلات الرسمية. وفي العام نفسه اجتهد وبذل جهدا كبيرا ليتمكن بسرعة أن ينتهي من تصوير دوره في فيلم “مرحبا أيها الحب” مع المطربة نجاح سلام، وقد غنى فيه أغنية "يا أم العيون السود".
 
وعلى ما يبدو فإن الغزالي كان يحس بدنو أجله، فأصرّ على أن يقطع جولاته في البلاد العربية ويعود إلى بغداد. ولم يمضِ على عودته إلى بيته سوى أقل من يومين ليغادر الدنيا وينتقل إلى جوار ربه الكريم وذلك في الساعة الثالثة عصرا من يوم الأربعاء 23-10-1963م.
 
وفي ذلك الوقت كسرت إذاعة بغداد القاعدة، وقطعت إرسالها لتعلن الخبر الذي إمتد تأثيره ليصيب العالم العربي كله بحزن بالغ: لقد مات مطرب الأجيال ناظم الغزالي صاحب أغنية "يا أم العيون السود" والذي تعلقت به وبها الجماهير العربية في كل مكان.
 
"يا أم العيون السود" وفيلم (مرحبا ايها الحب):
بعد أحداث تموز 1958 ومجيء النظام الجمهوري بدأت العلاقات بين العراق والدول العربية تتوتر، وبخاصة مع معقل الناصرية مصر. وقد تفاقمت القطيعة بين الزعيم عبد الكريم قاسم والرئيس جمال عبد الناصر إلى أن وصل الأمر أن يصدر الزعيم قاسم أمرا عام 1961 بمنع استيراد الافلام المصرية، وقد ساعدته الأحزاب الموالية حتى توقف عرض الافلام العربية وليس استيرادها فقط، وكانت ضربة قوية للإنتاج السينمائي المصري وتجارة الافلام، حيث كان السوق العراقي يعتبر ثاني سوق لاستيراد الافلام المصرية بعد مصر، وتأتي لبنان في المقدمة بعد العراق ثم سوريا والجزائر.
 
هذا الأمر دعا إلى البحث عن مَخرج لِما حصل، وعليه اُسست شركه افلام لبنانية للإنتاج السينمائي باشراك ممثلين مصريين ولبنانيين واتفق القائمون عليها أن يُسجل الفلم باسم لبنان للالتفاف على القرار ولغرض تسويق الافلام إلى العراق.
 
لقد كان أول الأفلام المنتَجة فلم (مرحبا ايها الحب)، والذي استغرق وقتا طويلا لإنتاجه، وكان المشاهد العراقي على نار وترقب لمشاهدته. وقد سجل هذا الفلم رقما قياسيا في مدة عرضه، وقد عرضته صالة سينما النصر الجديدة في بغداد والتي كانت تعتبر افخم صالة في الشرق الأوسط لستة أسابيع متتاليه وبنجاح ساحق، وقد شاهد الفلم الآلاف وبشكل متكرر أكثر من مرة.
 
وفي الموصل أوشك (كامل سارة) صاحب سينما كامل وسينما السندباد على الافلاس، فذهب إلى بيروت واشترى فيلم (مرحبا أيها الحب)، فنجح نجاحا ساحقا وتهافت الناس عليه وشاهدوه مرات عديدة، وأذكر أنني شاهدته 18 مرة!
 
في هذا الفيلم غنى مطرب الأجيال ناظم الغزالي "أغنية يا أم العيون السود" وهو لابس الزي البغدادي الأصيل والجراوية وقد رقصت معه اللبنانية جاكلين.
https://www.youtube.com/watch?v=DBP2spNQvmY...
 
كلمات أغنية "يا أم العيون السود" والغزل العراقي الراقي:
تتضمن كلمات أغنية "يا أم العيون السود" كلمات شعبية جميلة وغزل عراقي راقي بالحبيبة "أم العيون السود". والمفردات العراقية في هذه الأغنية لها أكثر من دلالة وأعمق من أن تُصور: الگيمر ، التنّور، الرغيف، الباب، الفستان وغيرها.
 
تحمل كلمات الأغنية إشارة جريئة لا تخلو من المغامرة، إذ تقول في مطلعها " يا أم العيون السود ما جوزن أنا ... خدك الگيمر أنا أتريگ منه": فعلى الرغم من أن كلمة (أتريگ) هي في حقيقتها كلمة صعبة جداً ولا يمكن لشخص أن يفكر بإدخالها في أغنية، إلا أننا نجد أن تلك الكلمة الصعبة وقد صارت مرتكز الأغنية ومفتاح حلاوتها والتي عن طريقها وبسببها شحذ العراقيون خيالاتهم الخصبة. ففكرة الإفطار بوجنة ملائكية الملمس والشكل، فكرة لا تخلو من الدهاء اللذيذ!.
 
عندما يقول (من ورا التنور تناوشني الرغيف) فهذا غزل شعبي راقي لتبيان شطارة وعدالة الحبيبة، ثم يردف قائلا (يا رغيف الحلوة يكفيني سنة).. فيا له من رغيف رائع وبحيث يكفيه سنة كاملة!! أذكر أنني سمعت رجلا في طفولتي وهو يقول عن هذا المقطع: "هذا أجمل ما سمعتُ من الغناء في حياتي".
 
" لابسة الفستان وگالتي أنا .. حلوة مشيتها دا تمشي برهدنه " هنا رمى المغني بخياله عباءة الفتاة جانباً فصورها داخل ذهن المشاهد بجسدها الرشيق تخطو خطواتها بغنج متجهة نحوه. هذه الأغنية بكلماتها وصورها الشِّعرية المترعة بالدعابة المحببة كانت في نظر المستمع مشاهد سينمائية يتخيلها كما يشتهي لتشحذ في مخيلتهِ ذكريات وصور جميلة طالما بقيت دافئة في ذهنه.
 
كلمات أغنية "ام العيون السود":
يام العيون السود ماجوزن انا ... خدك الگيمر انا اتريگ منه
لابسه الفستان وقالت لي انا ... حلوه مشيتها دتمشي برهدنه
لو تحب خادم خادمها انا ... ولعوف الدوله واعوف السلطنه
واقفه بالباب تصرخ يالطيف ... لاني مجنونه ولا عقلي خفيف
من ورا التنور تناوشني الرغيف ... يا رغيف الحلوه يكفيني سنه
لون خمري لا سمار ولا بياض ... مثل بدر تام واشرف ع الرياض
باللما تحي وتقتل باللحاظ ... بغنج تحكي وترد بعنونه
طالعه بفستانها الوردي الجميل ... وانزوت حين اسفرت شمس الاصيل
غصن قدها من تهب نسمه يميل ... حلوه مشيتها بتأني ورهدنه

اقحوانه ابتلت بقطر الندى ... تبسمت بسمه طروبه وفاتنه  

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل المقال