رحلة أم كلثوم ( المقهى) بين الموصل وبغداد

2021-03-14

فاطمة الظاهر

رحلة أم كلثوم ( المقهى) بين الموصل وبغداد


 رحلة أم كلثوم ( المقهى) بين الموصل وبغداد 

سيرة ذاتية الحاج عبد المعين أحمد الموصلي صاحب مقهى أم كلثوم
 
بقلم : فاطمة الظاهر
 
 
 التاريخ مدونه يبحث في الأثر وما تركه الأسلاف من منجز حقيقي أكثر مما هو أدعاء وتبجح وتزييف ، فمثلما تدون صفحاته الجانب المظلم فأن صفحات أخرى مشرقة يحتويها كتابه ، ولا يصنعه إلا المخلصين الجادين أصحاب المشاريع الذين يسعون لصناعة حياة أفضل ، ولقد وجد الحاج عبد المعين الموصلي صفحةً ليدون أسمه في سجل ذاكرة بغداد والعراق الحديث.
يعتبر الحاج عبد المعين أحمد الموصلي من أهم الشخصيات العراقية الذي عمل جاهداً طوال فترة حياته في أرشفة وتوثيق التراث الغنائي العراقي والعربي القديم ، أن أغلب البغادة يعرفون جيداً مقهى (أم كلثوم) في شارع الرشيد قرب ساحة الميدان ، حيث أسست هذه المقهى في بداية العام 1961  على يد الحاج عبد المعين الموصلي (عاشق أم كلثوم) ، فما هي قصتة ؟ 
 
ولد عبد المعين احمد الرحاوي (أبو منذر) في محافظة الموصل منطقة المكاوي في العام  1925  لعائلة موصلية تهوى الأستماع الى الغناء العربي الأصيل ، أمتلك والده جهاز الكرامفون والذي كان الوسيلة الوحيدة للأستماع ، كما كان والده من المولعين بالغناء الطربي المصري ، وقد وعى عبد المعين وهو صبي صغير على هذه الأجواء البيتية التي تملؤها أصوات سلامة حجازي والمنيلاوي والصفتي وهم يؤدون روائع  الأدوار المصرية التي لحنها كلاً من عبد الرحيم المسلوب ومحمد عثمان وعبدة الحمولي وإبراهيم القباني وغيرهم الكثيرين. 
 
أضافة الى أستمتاعه بالغناء الطربي العربي فهو أبن الموصل ، والمعروف عن الموصل أزدهارها بحفلات المقام العراقي التي كان يحيها سيد أحمد عبد القادر الموصلي (1877-1941) والملقب (بأبن الكفر) بسبب سرعة غضبه وشتمه الا انه كان شديد العطف على الفقراء والمحتاجين ، والذي لم يكن غناءه مقتصراً على المقامات العراقية فقط وإنما كان يؤدي الموشحات والأدوار والطقاطيق لسلاطين الطرب المصري حتى سجل البعض منها على أسطوانات ، وكذلك حفلات سيد اسماعيل الفحام (1905- 1990) الذي أخذ المقام عن معلمه سيد احمد عبد القادر الموصلي ويعتبر بمثابة خليفته في قراءة المقام العراقي 
 
كان عبد المعين الموصلي يرافق والده وهو صبي صغير لحضور مثل هذه الحفلات للمقام العراقي الموصلي والتي كانت تقام عادة في المقاهي ، التي تتحول  ليلاً الى ما يسمى (بالجالغي) حيث تقدم فيها تمثيليات فكاهية مرتجلة ومقامات وأغاني بمصاحبة جوق موسيقى، وتقدم أحياناً مسرحيات طويلة مثل مسرحية (يوم بؤس ويوم نعيم) عن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة. 
 
وخلال تجواله في مسيرة الغناء العربي الكلاسيكي ،  أستمع ولأول مرة الى صوت أم كلثوم في أغنية ( هلّت ليالي القمر) نهاية الأربعينات ( حسب روايته)  وأعجب بصفاء ونقاء صوتها العذب وبأدائها المقتدر العالي وأحساسها الذي فعل فعله بالحاج عبد المعين الموصلي ، وتحول الى شغف دفعه الى أن يبحث ويجمع كل أسطواناتها  وتتبع كل أخبارها الفنية ، ومع تراكم السنين أصبح يحتفظ بكل جديد لها ولكل المطربين الكبار المصريين والعرب والعراقيين وأصبح يبحث وبدأب عن كل ماهو نادر من أعمالهم ليضيفه الى مكتبته الصوتية التي أتسعت وكبرت مع السنين لتصبح فيما بعد أرشيفا نادرا للغناء العربي وأكبر مكتبة صوتية شخصية في العراق .. 
 
أمتلاكه لهذه المكتبة الضخمة شجعه الى تأسيس مقهى بأسم ( أم كلثوم)  في مدينة الموصل في منطقة باب الطوب في أواسط الأربعينات من القرن المنصرم ، وقد نالت المقهى حضها من الشهرة والتميز حتى صارت مركزاُ لأستقطاب الكثير من الوجوه الفنية من الفنانين العراقيين والعرب 
الصورة أدناه للحاج عبد المعين الموصلي مع عازف الأكورديون في فرقة أم كلثوم الفنان فاروق سلامة أثناء زيارته لمقهى أم كلثوم في الموصل
 
كان للحاج عبدالمعين أخ  وحيد يعمل تاجر خضروات في بغداد مما شجعه للأنتقال الى بغداد ليشتري بيتاً  في منطقه الاعظمية - راغبة خاتون مصطحباً معه عائلته المكونة من ثلاثه بنات وأربع صبيان وكذلك أصطحب معه والده ووالدته ،  وفي نفس العام قام بتأسيس مقهى جديد بنفس الأسم ( مقهى أم كلثوم) في بغداد وذلك في العام 1958  في باب المعظم مقابل وزارة الدفاع ، ثم أنتقل المقهى في العام 1961 الى شارع الرشيد  قرب ساحة الميدان . 
 
 
في الصورة الحاج عبد المعين الموصلي وبجانبه قارئ المقام يونس الكني ثم حفيده سعد منذر عبد المعين والسيد أبو نزار من هواة المقام 
 
ونتيجة لخبرته الطويلة في أدارة مقهى (أم كلثوم) في الموصل أستطاع وخلال فترة وجيزة أن يجعل من مقهاه الواسعة المساحة  ذات الديكورات البغدادية القديمة والتي تقع في أقدم وأعرق شارع في بغداد ( شارع الرشيد) أشهر مقهى في بغداد حيث وضع نظاماً لم يكن متبعاً في باقي المقاهي في بغداد وقد تفرد به ، لقد منع لعب الطاولي (النرد) والدومنو والأراجيل  في المقهى معتمداً على بث أغنيات أم كلثوم فقط ، الجلوس في المقهى كان للأستماع وشرب الشاي فقط ، لذا تجد تزاحم  الرجال من المثقفين والمستمعين الجيدين وبالذات من عشاق سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم من الشباب وكبار السن يرتادون المقهى  للأستماع  لكل ما غنته أم كلثوم من قصائد الشيخ أبو العلا محمد الى أدوار داود حسني وطقاطيق الدكتور احمد صبري النجريدي وطقاطيق وأغنيات محمد القصبجي وزكريا أحمد وباقي الأغنيات التي لحنها لها السنباطي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وغيرهم ، كان رواد المقهى يأتونه من كل صوب ومن كل أنحاء العراق بعد كل حفلة شهرية لأم كلثوم والتي كانت تبث من محطة صوت العرب من القاهرة وكذلك بعد حفلاتها السنوية والتي كانت تغني فيها أغنية جديدة  كما كان متعارف عليه حيث كان لها كل سنة أغنية جديدة تقدمها لجمهورها التواق لسماع كل ما هو جديد من صوتها العذب
 
 
 كان الحاج عبد المعين يحرص كل الحرص على تسجيل جميع حفلات أم كلثوم الشهرية والسنوية ساعة بثها  ليكون أول من يعيد بثها في مقهاه ، ولم يقدم في مقهاه من المطربين والمطربات سوى صوت أم كلثوم ، وتبث أغنياتها تتابعاً حسب طلبات رواد المقهى ، فكل ينتظر دوره في الأستماع لأغنيته المفضلة من كوكب الشرق ، فقد عمل قائمة ليكتب فيها لكل زائر من زوار المقهى الأغنية التي يرغب في الأستماع اليها وينتظر ليأخذ دوره في الأستماع وأحياناً يطول أنتظاره لساعات مستمعاً لطلبات الأخرين قبل أن يصل دوره في الأستماع الى أغنيته المفضلة.
 
في العام 1968 سافر الحاج عبد المعين الموصلي الى القاهره ليسجل حفلة السيدة أم كلثوم الشهرية أضافة الى مجموعة من أغنياتها الأخرى ، كان متاحاً له حضور حفلتها الشهرية بحكم معرفته بالأستاذ جلال معوض مقدم حفلات أم كلثوم إلا إنه فضل أن يستأجر شقة في القاهرة ليسجل حفلتها عبر أذاعة القاهرة عن طريق الراديو في البث المباشر ، وعاد محملاً بتسجيلات جديدة ليمتع بها رواد مقهى أم كلثوم. 
 
في عام 1975 بعد وفاه السيده ام كلثوم عاود السفر ثانيةً الى القاهرة ليجمع كل ما يمكن جمعه من تسجيلات وأسطوانات كوكب الشرق وأثناء تواجده في القاهرة وصله خبر وفاة زوجته فأضطر الى قطع سفرته والرجوع الى بغداد محملاً بعدد كبير من الأشرطة لغناء أم كلثوم وغيرها من المطربين القدامى ومن يومها بقي في بغداد ولم تسنح له الفرصة في زيارة  القاهرة ثانيةً رغم شوقه وشغفة  للقيام بزياراتٍ متعددة الى القاهرة للتواصل مع المطربين والفنانين وجمع ما يمكن جمعه من الأعمال الغنائية.
 
 
 
لقد مرت على الحاج عبد المعين العديد من الظروف الصعبة التي تحملها بصبر وجلد ، أولها وفاة زوجته في العام 1975 ، وفي العام 1979 توفي أبنه زهير غرقاً في نهر دجلة في الموصل بعد أن كان قد جهز أوراقه للسفر الى اليابان لأكمال دراسته  الجامعية كمهندس ميكانيكي (رحمه الله) ، وفي العام 1985 توفي أبنه الثاني شامل وكان من ذوي الأحتياجات  الخاصة في حادث دهس في بغداد وكان من أعز الأبناء الى قلب أبيه ويحبه حباً شديداً ولم يتبقى له غير أبنه البكر منذر وأبنه الأوسط نوفل وعلى الرغم من كل الضروف العائلية والمعيشية الصعبة بقي وفياً لمشروعه في توثيق التراث العربي.
 
أستمر الحاج عبد المعين في أدارة مقهاه حتى العام 1995 ولقد أتخذ له شريكاً لأدارة المقهى ، في سنوات التسعينات كان الحاج عبد المعين قد بلغ من العمر مبلغه بالأضافة الى أمراض الشيخوخة ، أضطر حينها الى ترك المقهى الى شريكه ليديرها بنفسه وبنفس النظام المتبع وتفرغ هو لتكملة مشوار تأسيسه لمكتبته الموسيقية التي أنشأها في دار سكنه الخاص ، حيث خصص غرفة كبيرة  تبلغ مساحتها 5 متر عرضاً في 5 متر طولاً وبأرتفاع 4 أمتار ، ملئها بالأشرطة والصور وأجهزة التسجيل .
الحاج عبد المعين مع حفيدته في مكتبته البيتية
 
كانت المكتبة تضم مجموعة من الدواليب الأرضية والتي تشغل 3 جدران يخّزن فيها الحاج بعض الأشرطة التي لم يتم تضنيفها وتوثيقها أو ترقيمها ، فلا يضع شريطاً على الرفوف إلا بعد أن يصنفة ويرقمة وتكتب عليه كل تفاصيل محتوى الشريط ليأخذ مكانه في الرفوف ضمن مجموعته لكي لا يصعب عليه الوصول الى الشريط المطلوب بسرعة فائقة ، أما الجانب الرابع من الجدار فقد وضع تخت (قنفة كبيرة) تسع لثلاثة أشخاص لجلوس الضيوف ، ثم يأتي فوق الدوليب مجموعة من أجهزة التسجيل (ريل أو بكرة) نوع (أكاي وفيليبس) يصل عددها الى 4 وأحياناً تجد 6 مسجلات بالأضافة الى مسجل لشريط الكاسيت ، ثم يأتي فوق الدواليب مجموعة من الرفوف التي تملأ جدران الغرفة مرتبة عليها الأشرطة حسب أسماء المطربين وبلدانهم ، يعلوها على الجدار مجموعة كبيرة من صور المطربين والمطربات العراقيين والمصريين ، وجميعها صورٌ نادرة منها صور ( نجم الشيخلي ، رشيد القندرجي ، حسن خيوكة ، محمد القبانجي ، يوسف عمر ، ناظم الغزالي ، سليمة مراد ، صديقة الملاية ، جليلة العراقية ، بدرية انور ، مسعودة العمارتلي ، مائدة نزهت ، وعفيفة اسكندر وغيرهم الكثير يصعب حصرهم) وكذلك صور المطربين العرب ومنهم المصريين على وجه الخصوص منهم ( الصفتي ، والمنيلاوي ، سلامة حجازي ، عبدة الحمولي ، سيد درويش ، محمد عبد الوهاب ، أم كلثوم ، نجاة علي ، لوردكاش ، نادرة ، ماري جبران ، وسكينة حسن وغيرهم الكثير جداً) لربما تزيد عن 100 صورة تحتل جدران المكتبة الأربعة بأربعة صفوف فوق بعضها ، وهنالك بعض الصور التي كانت مرسومة باليد وعندما سألته أن كان متأكداً من أن الصورة  لذلك المطرب قال لي : أنه لم يجد صورة له فيضطر أن يبحث عنه فيجد له صورة صغيرة في جريدة مع خبر وأحياناً يعتمد على صورته الموثقة في هوية الاحوال المدنية للمطرب أو أية هوية اخرى كهوية نقابة الفنانين أو غيرها فيكلف أحد الرسامين لرسمها بالألوان وبالحجم الكبير ، لاحظ عزيزي القارئ أن هذه المكتبة الصورية كانت في وقت ليس فية أنترنت وإنما أعتماده الكامل في الحصول على هذه الصور كان بالبحث والتقصي ومتابعة الجرائد والمجلات ، وقد لفت نظري أن بعض أدراج الدواليب تحوي على مجموعة قيمة جداً من الكتب القديمة رغم أنه لم يكن يقرأ ولا يكتب ، ولكنه يعرف جيداً محتويات تلك الكتب وعندما أستفسرتً منه عن ذلك قال : أكلف كل يوم أحد أحفادي للقراءة لي في تلك الكتب ، ومن تلك الكتب كتاب ( الموسيقى الشرقي للموسيقار كامل الخلعي – اصدار سنة 1925 ) وكتاب ( مجموعة الأغاني الشرقية الحديثة للموسيقار كامل الخلعي – أصدار سنة 1921) ومجموعة أخرى من الكتب عن سيدة  الغناء العربي أم كلثوم ، وقد أهداني كتاب بعنوان ( النصوص الكاملة لجميع أغاني كوكب الشرق  أعداد خليل المصري ومحمود كامل  تقديم ومراجعة أحمد شفيق أبو عوف) وهو واحداً من الكتب القيمة لأحتواءه ( بالأضافة الى النصوص الكاملة ) فقد حوى الكتاب على قالب الأغنية  وأسم المؤلف أو الشاعر – أسم الملحن – وتاريخ تسجيل الأغنية ) أضافةً الى بعض التفاصيل المهمة الأخرى.
  
تعرفت على الحاج عبد المعين الموصلي في العام 1992 ومن خلال زيارتي لمكتبته في بيته لأول مرة أنتابني حينها شعور غامر كأنني عثرت على كنز ثمين ، لأنني وجدت كل ما كنت أفتقده من زمن الطفولة وأنا أستمع لتلك الأعمال الغنائية التي سمعتها في صغري من راديو جدي والتي تبث من أذاعة بغداد وراديو أخي الكبير الذي كان معتاداً على الأستماع لمحطة صوت العرب من القاهرة ، لم أصدق عيني وآذاني في الأستماع  لتلك الأعمال الراسخة في مخيلتي وكأنها أعادت لي حياتي الماضية كلها ، كنت أزوره بشكل شبه يومي في مكتبته المنزلية للأستماع الى نوادر الأعمال الغنائية وقد ألتقيت بالعديد من الفنانين الذين يأتون لشراء بعض الأعمال التي تهمُ أختصاصهم خاصة قراء المقام وبعض الأصدقاء من الأطباء والمهندسين وأختصاصات أخرى يأتون لشراء ما يلبي ذائقتهم في الأستماع ، ثم أغادره محملة بعدد من البكرات المسجلة لأساطين الطرب العربي.
 
في أحدى الزيارات طلبت منه أن يسجل لي المجاميع الكاملة لكل مطرب بدأ من المطربين المصريين القدامى وصاعداً ، فأستطعت أن أجمع على مدى ثلاث سنوات ما يقارب 500 شريط (بكرة ) لجميع المطربين العراقيين والمصريين القدامى ومنها تسجيلات الأستاذ محمد القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 أضافةً لأغلب قراء المقام العراقي القدامى والمطربين والمطربات العراقيين والمصريين وبعض المطربين من تونس والمغرب وسوريا ولبنان ، لقد تعلمت الكثير والكثير بخصوص الفن الغنائي من خلال التسجيلات والكتب التي يمتلكها الحاج عبد المعين  أضافة لكل ما يتعلق بتلك السنوات الماضية لهؤلاء المطربين الكبار فهي ليست تسجيلات فقط وإنما هو عصر فريد ملئ بالعلوم الفنية الموسيقية والغنائية.
 
حصيلة تجربتي هذه مع الحاج عبد المعين كانت واحدة من روافد صقل ثقافتي الموسيقية والغنائية التي أضافت لي أساس متين لتلقي معارف موسيقية أخرى ، لقد كان حالي  كحال المنقبين عن الآثار يبدأون حفراً في السطح وكلما أكتشوا لقية أثرية تزداد لديهم الرغبة والفضول في اكتشاف طبقات أعمق حتى يصلوا الى كنز من الآثار الذي يروي شغفهم العلمي ويشعرهم بالرضى والسرور
 
في عام 1997 قرر الحاج عبد المعين  العودة الى مدينته الأم مدينة الموصل حاملاً معه مكتبته الغنائية الضخمة  ، بسبب مرض زوجته الثانية  مما أضطره الى بيع منزله في بغداد والرجوع الى الموصل ليسكن في منطقة البورصة في باب سنجار ، وبعد وصوله الموصل بفترة قصيرة  توفيت زوجته الثانية ( رحمها الله) وقد أصابه الحزن الشديد ولكنه كان صابراً على رحيلها ، وأصبح بمعية  أبنته أم بكر وحفيده سعد منذر وزوجته يقدمون له الرعاية اللازمة وهو رجل كبير في السن بعمر 74 عاماً يعاني من بعض أمراض الشيخوخة .
 
في العام 1999 قام أبنه الكبير منذر بمساعدته في أعادة تأسيس مقهى جديد له في الموصل ، فأنشأ له (منتدى أم كلثوم) في عمارة الشواف وبدأ يعاود نشاطه في العمل في المنتدى بعمل سهرات غنائية كل يوم خميس ، أضافة الى حفلات بيت المقام العراقي التي كانت تقام في منتداه . وقد رحب المجتمع الموصلي التواق للغناء الطربي الأصيل بهذا المنتدى وبعودة الحاج عبد المعين الموصلي اليهم ، ولكنه لم يكن سعيداً اذ كان يقول لحفيده سعد  الذي كان يدير المنتدى ليلاً تناوباً مع جده: " أن عدد رواد المقهى في بغداد أفضل كثيراً من عدد رواد الموصل) ( وأعزوا سبب ذلك الى أن المجتمع في بغداد يتسم بالتنوع وكثرة نفوسة كونها عاصمة العراق ومركز أستقطاب لكل محافظات العراق وزوارها من العرب ، وكذلك فأن مقهى أم كلثوم في شارع الرشيد مقهى مهم شكل علامة فارقة في التراث البغدادي ولها سمعتها ومكانتها التراثية الكبيرة قد دأبت على أن تجد لها مساحة في الذاكرة البغدادية الحديثة)  ، يقول السيد سعد منذر :" كان الشغل ضعيف جدأجدا ورواد المنتدى قليلون في الموصل  الى الحد الذي لم يستطع تغطية تكاليفه وأيجاره الشهري" مما أضطره الى غلق المنتدى وبيعه في عام 2002  وكذلك بيع بيته الكبير ليشتري بيتا صغيرا في شارع المركز قرب جامع النبي يونس عليه السلام ليقضي بقية حياته فيه. 
 
 وقد أهتمت وسائل الأعلام في الموصل به أذ أجري له لقاء في جريدة أم الربيعين وكذلك أجروا له لقاءاً تلفزيونياً بث من قناة أم الربيعين . 
 
وبعد دخول الاحتلال الى بغداد حزن حزناً شديداً على المدينة التي أزدهرمشروعه وذاع صيته  فيها،  وبعد 6  اشهر من الاحتلال أصيب بوعكة صحية  وأدخل على أثرها الى المستشفى  فاقدا الوعي بسبب أصابته بالجلطة الدماغية , ولكنه تشافى وتعافى منها ، لكنه عاد وأنتكس في العام 2004  وفي الشهر السابع (تموز / يوليو) من نفس العام حيث  أصيب بجلطة ثانية تم نقله على أثرها الى المستشفئ  ولكن الأجل أستعجله بعد ٣ ايام  من دخوله المستشفى ، رحم الله الحاج عبد المعين الموصلي فقد كان انساناً صبوراً ومحباً يقدم المساعدة لكل من يقصده ، علاوةً على أنه قد وثق الأعمال الغنائية لجميع المطربين العرب  وقراء المقام العراقي وأفاد العديد من المهتمين والدارسين بهذه المكتبة التي كانت مصدراً للأرتقاء بالذائقة الفنية للمتلقين العادين ومرجعاً للأكاديمين والباحثين في الغناء العربي والعراقي. 
 
لقد كان المرحوم الحاج عبد المعين الموصلي عملياً صاحب مشروع يوجهه شغفه بالأصالة وحفظ التراث فهو على الرغم من كونه رجلاً أمياً ( لا يكتب ولا يقرأ) ولكنه أنجز مشروعاً كبيراً للتوثيق عجزت عن أنجازه مؤسسات، وأبتكاره لمنصة بث من خلال مقهى أم كلثوم يكفيه وورثته أن مشروعه ما زال قائماً ( مقهى أم كلثوم) كأثر يشير الى خلوده وحضوره في المشهد الثقافي العراقي.
 
تنويه : تتقدم هيئة تحرير مركز الوتر السابع للفنون والتنمية المستدامة الى السيد سعد منذر عبد المعين على تزويدنا بالكثير من المعلومات الخاصة والدقيقة في تعضيد هذا المقال.
 
 لقاء مع الحاج عبد المعين الموصلي صاحب مقهى أم كلثوم - أجرى اللقاء الفنان سالم حسين الأمير

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل المقال