الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط

من الكلمات الجميلة التي كانت تُستخدم في المجتمع العراقي على نطاق واسع في الزمن الجميل كلمة "ابن حَمولة". والحَمولة هي في الأساس فرع من عشيرة كبيرة تنضم إليه مجموعة عوائل من عشائر أخرى تربطهم مصالح مشتركة وقد ينشأ بينهم مصاهرة، فيكونون وحدة اجتماعية واحدة تسمى (الحَمولة).

 وتحمل (الحَمولة) مسمى العشيرة الأكبر والأقوى،  فيصبح ابن العشيرة الأساس اسم عشيرته هو نفس اسم حمولته، والعائلات الأخرى تبقى محتفظة بأسماء عشائرها الأصلية إضافة إلى حملها اسم (الحَمولة).

لقد تطور مصطلح (الحَمولة) في المجتمع العراقي فظهرت التسمية (ابن الحَمولة) لتكون مرادفة لكلمة (ابن الأصل)، وفيها تذكير بالرحم والصلة والأصل.

 إن (ابن الحَمولة) كناية عراقية جميلة عن شخص من عائلة كريمة ويكنى بها الشهم الشريف وصاحب الإيثار، فكانت كناية (ابن حَمولة) هي أجمل كناية يُكنى بها الشاب في الزمن الجميل، فيقولون: فلان ابن حَمولة. 

ونتسأل اليوم عن أبناء الحَمولة، فتجد أن السلوكيات قد تغيرت وتبدلت بسبب تغير الزمان والظروف وتعقيدات زمننا المعاصر، فلم يبقى إلا القليل قبل أن ينقرض استخدام هذه الكلمة الجميلة. ولو قلتَ الآن هذه الكلمة لابنك، لربما ظنها مَسَبة من تلك التي لا تظهر إلا عند الغضب!!

أغنية (يابن الحَمولة):

من الأغاني التراثية الجميلة أغنية "يا ابن الحَمولة "، وتحمل كلمات هذه الأغنية في طياتها عتاب خفيف للحبيب الذي يخاطبه حبيبه ويتساءل عن سبب تبدّله عليه وتغير سلوكه معه.

وبعد هذا النداء يتساءل هل سبب هذا التبدّل هو حسنه وجماله، أم هي عادة له؟ ثم يقوم يسرد أوصاف ومزايا حبيبه الرائعة، ثم يختتم ندائه للحبيب بحسرته بضياع تعبه معه مع تذكيره  بدورات الفلك وتغيّر الزمن.

لقد كان للموسيقار الكبير جميل بشير (1921-1977) دور كبير في إحياء التراث العراقي الأصيل، ومنه أغنية (يابن الحَمولة)، حيث قام بعزفها وتسجيلها بعد ان أعاد توزيعها توزيعاً موسيقياً جديداً ومتطوراً، واصبحت بفضله من الأغاني التراثية الخالدة في العراق.

فنانون غنوا هذه الأغنية:

 في العشرينيات من القرن الماضي غنى قارئ القرآن ومطرب المقام العراقي الشهير الملا عبد الفتاح معروف الكرخي (1891-1989) هذه الأغنية التي تُعد من أشهر أغانيه، وهي من الحان أستاذه الملا عثمان وقد سجلها على أسطوانة بيضافون وغناها باقتدار:

 

 

 وفي الخمسينات استأذن ناظم الغزالي (1921- 1963) من ابن عبد الفتاح معروف الكرخي في غناء هذه الأغنية لاعتبارات أدبية، وتم تسجيل الأغنية بصوت الغزالي وظهر ناي عازف الناي الكبير خضر ألياس (1928- 1998) بشكل يخلب الألباب في المقدمة؛ وقد اشتهر بها ناظم الغزالي:

 

 

 كما غنى هذه الأعنبية فؤاد سالم (1945-2013):

 

 

وغناها أيضا حسام الرسام وآخرون:

 

 

كلمات أغنية يا ابن الحَمولة:

تؤكد المصادر أن ملحن أغنية (يابن الحَمولة) هو الملا عثمان الموصلي، في حين أن كاتب الأغنية  غير معروف. 

يابن الحَمولة عليهّ شبدلك ... حسنك مرقيك مو عادة الك

ما شفت مثلك بالعالم أبد ... عالمودة تمشي تمايل يا ولد

حسنك مصيبة سبيت أهل البلد ... من كثر صدك كم واحد هلك

رمشة عيونك تسبي كل بشر ... و لا الحواجب قوس بلا وتر

ترمي عليه اسهام الخطر ... منك الاحظ حياتي من الضرر

لولو سنونك و خدودك ذهب ... هيجت عقلي كم قلبي انسلب

وياك ضايع كل ذاك التعب ... انظر بعينك دورات الفلك