محمد القبانچي والملا عثمان الموصلي

2020-12-21

د. باسل يونس ذنون الخياط

محمد القبانچي والملا عثمان الموصلي


 محمد القبانچي والملا عثمان الموصلي:

**الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
 
محمد بن عبد الرزاق بن عبد الفتاح الطائي القبانچي (1904 - 1989) أحد كبار الرواد المبدعين في مجال المقام العراقي، ويعتبر من أشهر قارئي المقام في العراق، لُقب (مطرب العراق الأول) و (سيد المقام العراقي).
والده عبد الرزاق القبانچي أحد تلاميذ الملا عثمان الموصلي في الموصل ، وقد ولد محمد القبانچي في محلة الغزل في بغداد ودرس الألحان والمقام العراقي على والده عبد الرزاق القبانچي وقدري العيشة، واستطاع بفضل موهبته وحسن أدائه لأصول المقام أن يطور هذا الفن ويتصرف فيه تصرفاً نغمياً لطيفاً حتى بلغ درجة رفيعة في هذا الفن.
التقى محمد القبانچي بالملا عثمان الموصلي في بداية العشرينات في ليلة مولد أُقيمت بدار العلّامة عبد الوهاب النائب في منطقة الفضل، وطلب الملا عثمان من القبانچي أن يقرأ له بعض مقاماته فقرأ وأبدع، وكان ذلك أول حفل يؤدي فيه القبانچي المقام العراقي، فأعجب به الملا عثمان، وقال له: "اذهب يا محمد وأمسك بالطريق فهي واسعة".
وبرز محمد القبانچي بوصفه قارئ مقام متميز منذ العام 1922، وبدأ بالغناء الصوفي والاذكار وبدأ بتسجيل المقامات في العام 1925م. كما تسلم جائزة مسابقة مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة.
**وفي اعقاب مؤتمر الموسيقى العربية تلقى القبانچي دعوة من شركة ألمانية سنة 1928 للسفر وتسجيل مقامات عراقية في ألمانيا على اسطوانات ( الكرامافون)، ولم يلبي تلك الدعوة في بادئ الأمر وذلك لمرض والده، ثم قبل الدعوة على أمل أن سفرته لا تستغرق طويلا.
وبعد وصول محمد القبانچي إلى المانيا بيومين توفي والده، فأصيب بصدمة عنيفة واخذ يصرخ بصوتٍ عالٍ وينعي ويولول:**
اويلاه اولي اويلي يابه يابه !؟
علام الدهر شتتنا وطرنه ... ليالي اللي مضت ما تعود لي
علام الدهر شتتنا وطرنا ... عكب ذاك الغرب مالهم وصرنا
فكانت ولادة مقام اللامي الحزين الذي ابتكره القبانچي وهو يلوم نفسه بسبب تركه والده في مرضه. ويُعد مقام اللامي شكلا من أشكال الحزن وهو ذو طبيعة رومانسية حزينة. وقد غنى محمد القبانچي هذا المقام في الإذاعة العراقية بعد افتتاحها عام 1936، وانتشر هذا المقام في العراق والوطن العربي.
 
وقد غنى ناظم الغزالي على لحن مقام اللامي:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا لو تشعرين بحالي؟
معاذ الهوى ما ذقتِ طارقة النوى ... ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا ... تعالي أقاسمك الهموم تعالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنتُ أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالي
 
لقد كان القبانچي يقيم حفلات المنقبة النبوية، وشاركه في كثير منها الحافظ مهدي العزاوي، ومن أبرزها تلك التي أقامها في قاعة الملك فيصل الأول بمناسبة حفل ختان أولاد الزعيم نور الدين محمود سنة 1948.
لقد برع القبانچي في كتابة معظم أغانيه وصياغة كلماتها، وهو ينتقي من شعر القريض ما يحلو له ذوقه ويتناسب وطبيعة مقاماته المختارة. وقد سجلت شركات اسطوانات عديدة صوته مثل شركة اسطوانات صوت سيدة عام 1925، وبيضا فون بغداد عام 1926، وبيضا فون ألمانيا ببرلين عام 1929 واسطوانات المؤتمر الموسيقي العربي الأول بالقاهرة عام 1932، وبوليفون عام 1936، وجقماقجي عام 1956.
وحفلات القبانچي العامة والخاصة كثيرة، وقد أحيى حفلات عدة في المناسبات القومية والوطنية، وكان يرفض تسجيل أغانيه في الحفلات إلا أن سامعيه كانوا يخفون أجهزة التسجيل عن أنظاره.
وفي العام 1973 صادفت الذكرى الخمسون لرحيل نابغة الموسيقى العربية ورائدها الأول الملا عثمان الموصلي. وقد أقيمت احتفالية خاصة بهذه المناسبة في بغداد، كان نجمها الأول الاستاذ محمد القبانچي الذي غنى القصيدة الآتية والتي صاغ كلماتها خصيصا للملا عثمان:
بــــالألـــم لا تـــــزد مــــا فـــــيا مــــــن ألــــــمٍ ... ففي فؤادي من آلام يكفيني
هيجت في النفس من مكنونها حرقاً ... ودمع عيني يبكيها ويبكيني
فأرحـم دموعـــي جـــزاك الله مكـــرمة ... فإنني ساهر والدمع يؤذيني
عــثمـــانُ يا خــالـــق الأنغـــام ليـلتنــا ... طابت بذكراك في عذب التلاحينِ
إني أُحييك من روحي ومن نغمي ... حيتي مهجتي من بعد خمسينِ
تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل المقال