أحتفظ بشريط من الذكريات الجميلة والممتعة رفقة زميل وصديق العمر الفنان عامر توفيق , أبتدأت منذ السبعيات وأمتدت الى الآن فيها الكثير من المواقف والتفاصيل الممتعة والطيبة , فهي تعود بنا الى زمن الجمال والصدق والنبل حيث أبتدأ تعرفي عليه في
العام ١٩٧٣يوم طلبت فرقة الإنشاد وجوها جديدة للفرقة فتقدم خمسة رجال وبنت واحدة ، كان من ضمن الرجال عامر توفيق دخل القاعة وكان الاستاذ روحي بأنتظار دخولهم واحداً تلو الاخر، فدخلوا المجموعة الخمسة جميعهم دفعة واحدة وكانوا على التوالي : جعفر الخفاف ، حسين عوني و حسن الخياط والبنت هي مي اكرم ظاهر بالأضافة الى عامر توفيق وكانت اللجنة مكونة من الراحل الاستاذ روحي الخماش والدكتور خالد ابراهيم و حميد البصري و حسين قدوري وجرى الاختبار أمام أعضاء فرقة الانشاد العراقية مباشرة حيث كان كل أعضاء الفرقة متواجدين في القاعة ، جلسوا جميعا على الكراسي و غنى أولهم "عامر توفيق" بدا في أغنية دور "احب اشوفك كل يوم" لعبدالوهاب و أنصرف خارج الغرفة ينتظر النتيجة، غنى الثاني "جعفر الخفاف" موشح "يا شادي الألحان" و خرج أيضا، والثالث كان "حسين عوني" حيث غنى ميجنا وعتابة سورية و الرابع هو حسن الخياط غنى قدود حلبية لصباح فخري ثم جاء دور مي اكرم ظاهر التي غنت اغنية عراقية هي لزكية جورج (يانبعة الريحان حني على الولهان ) وشخص خامس لم يكتب له النجاح كان صوته غير جيد وصرفته اللجنة بالإجماع.
وكانت النتيجة أن عامر توفيق نال رضا الجميع أولهم "الأستاذ روحي الخماش" وبقية أعضاء اللجنة ، كان الثاني "جعفر الخفاف" رغم اعتراض روحي الخماش , لان جعفر الخفاف أبتدأ غناءه من الطبقات العليا كان يمتلك صوتا قويا لذلك طغى على صوت العود وطلب منه الأستاذ روحي أن يخفف قليلا من دفع صوته ولكنه أستمر بالغناء بنفس الطريقة , مما زاد من سخط رئيس اللجنة عليه ولكن أنقذه بقية أعضاء اللجنة هم أستاذ خالد ابراهيم الذي طلبه بإلحاح وقال صوته يمثل الكونترباص ويغطي على بعض من أفراد الفرقة الذين أصواتهم ضعيفة و أيده بقية اعضاء اللجنة الآخرين الذين أصبحوا ثلاثة أصوات ضد صوت واحد وهو الأستاذ روحي الخماش ، مما دعاه للقبول بجعفر الخفاف، أما حسين عوني فقد نال أعجاب جميع أعضاء اللجنة ، أما حسن الخياط فلقد كان مدهشا عندما غنى لصباح فخري حيث مازال صوته يرن في أذني , كان جميل الشكل ,أبيض البشرة طويل القامة لذا تبناه الملحن الكبير ناظم نعيم حيث لحن له أغنيتين قدمناها على قاعة الشعب الصيفي، غناها أنفرادي , ومازلت أذكر ملابسه التي أجرى بها الأختبار أنذاك حيث كان يرتدي بدلة لونها أسود داكن ، ذات أزرار ذهبية في السترة عددها ستة ثلاثة على جهة اليمين وثلاثة على جهة اليسار..أما مي أكرم ظاهر لم يقبلها "استاذ روحي" وأعترض عليها حين غنت ( يانبعة الريحان) حيث كان صوتها ضعيفا ولكن الحاح بنات الفرقة أنقذوها , أذ قالوا للأستاذ روحي "أن عددنا أقل من ثمانية عضوات لذا نرجوا منك قبولها" ، فقال الأستاذ روحي "على أن تعين لمدة ستة أشهر بدون مرتب" وأنقذها مرة أخرى تدخل أعضاء الفرقة بالرجاء من أستاذ روحي بأن يتم تعيينها بمرتبكامل مثلهم وهو 25 دينار للسيدات، أما الرجال فلقد كان مرتبهم 20 دينار حينها وذلك في العام 1973 .
مازلت أتذكرالفستان الذي كانت ترتديه الفنانة مي أكرم عندما تقدمت للأختبار كان فستان مشجر لونه أخضر زيتوني تقريبا وتضع على عينها نظارة شمسية بأطار كبير جداً يملا كل وجهها لذا طلب منها أبو نديم "حميد البصري" أن تخلع النظارة من عينيها لكنها رفضت قائلة عيني تألمني حيث أراد الأستاذ البصري التاكد من سلامة عينيها خوفا من أن تكون هناك عاقة في عينها. أما المتقدم الخامس فلقد رفض من قبل جميع الأعضاء ولم يحضرني أسمه مع الأسف لأنه لم يقبل بتاتاً. أما الذين قبلوا فتم تعيينهم في الفرقة و واظبوا على المشاركات في الغناء الذي كانت تقدمه الفرقة .
محطة 2
العائلة
ولد الفنان عامر توفيق في بغداد في محلة باب الشيخ في العام 1949 م , وهي من المحلات البغدادية العريقة التي خرج من بين أزقتها الكثير من الرموز السياسية والفنية والرياضية فهي بيئة شعبية متآلفة تشكل مع محلات عريقة أخرى روح بغداد التي تتسم بالمدنية وروح التسامح والتعاضد الأجتماعي . ومن بين هذه البيئة تشكلت ذائقة وثقافة وسلوك الفنان عامر توفيق الذي تشبعت آذانه ومنذ الطفولة بقراءة المقام العراقي والمربع وكل أنماط الغناء البغدادي الأصيل .
ينتمي الفنان عامر توفيق الى عائلة كادحة عرفت بأمتهان حرفة صيد السمك وبيعه حيث كان والده صياداً يذهب الى قضاء "الكفل" القريبة من محافظة الحلة ويصطحب معه أبناءه الكبير المدعو "عدنان" والثاني هو "عامر توفيق" . وعندما توفي الأب أخذ زمام الصنعة الاخ الكبير عدنان ومعه عامر تماشيا مع تقاليد بغداد حيث يتوارث الأبناء الحرفة من الآباء , وأختيار منطقة قضاء (الكفل) بالذات لصيد الاسماك كونها منطقة منخفضة جداً من نهر الفرات حيث تعيش بها أسماك "الجري" فقط وهو ماتخصصت به العائلة حيث يتم تسويقه في سوق محلة الصدرية التي هي كذلك من المحلات البغدادية العريقة التي أنتقلت العائلة للسكن فيها . تعرض الأخ الأكبر عدنان لمرض السكري الحاد الذي نتج عنه قطع أحدى ساقيه مما دعاه للتخلي عن مهنة الصيد الى شقيقيه عامر توفيق وشقيقه الثاني خالد , الذي ترك المهنة بسبب تطلعه الى السفر الى اليونان . ربطتني علاقة عائلية بعائلة الفنان عامر وخاصة شقيقته التي كانت أما مثالية تربى على قيمها أولاد وبنات طيبون كنت وعائلتي نتبادل الزيارة فيما بيننا ومما يؤسف له سماعنا لخطف واحداً من أبناءها وتغييبه أثناء الحرب الطائفية . اما بالنسبة الى عامر فلقد كان متمسكا جداً بوالدته ويحبها كثيراً الى ان توفيت هى الأخرى رحمها الله.. وأنتقل بعدها الى شقة في شارع الرشيد حيث كنت أزوره فيها دائما .
محطة 3
رفقة السفر
مثلما تختبر الصداقة في المواقف والمحن فأنها كذلك تختبر في السفر , وحكايتي مع رفيق السفر الفنان عامر توفيق خير مصداق لها أذ كانت سفرتنا الى الجزائر بمعية فرقة الأنشاد في العام 1975 من السفرات الناجحة على المستوى الشخصي وكذلك على مستوى المشاركة الفاعلة للفرقة , أذ حازت الفرقة على المرتبة الأولى من بين أعرق الفرق المشاركة من سوريا ومصر ولبنان والسودان وتونس والأردن وغيرها . وهذه السفرة وضعت صداقتنا على سكة السلامة والمحبة وكان من نتيجتها أننا عزمنا على تحقيق حلمنا أنا وعامر في السفر الى وارشو عاصمة بولندا في العام 1976الذي لم يتحقق بسبب منع السفر على العراقيين الى بولندا بسبب حادث الأعتداء على أمرأة عراقية معارضة برميها من شرفة منزلها في وارشو , مما دعانا الى تغيير وجهة السفر الى أثينا عاصمة اليونان و أحب أن أروي موقف طريف حدث لنا في هذه السفرة في العاصمة اليونانية , حدث مرة أن دخلنا الى كافتيريا في أثينا من أجل أن ننجوا من المطر الشديد وكان المكان مظلما نوعا ما، سوى من بعض الأنارة الملونة هنا وهناك، و طلبنا شاي بالحليب قالوا لنا لا يوجد !! طلبنا القهوة أيضا قالوا لا توجد. قلنا اي شي عندكم، قالوا هذا مكان للمشروبات الروحية و ليس للقهوة و الحليب و الشاي، أستأذنا بالخروج و أذا برجال يحيطوننا من كل جانب و أجبرونا على الجلوس و بعد ثواني أتت نساء جميلات عددهم أكثر من واحدة، أثنتان أخذن مكانهنَّ بجانبنا، واحدة جنب عامر وواحدة بجانبي، قدموا لنا زجاجتين أعتقد من الويسكي. وأعترض عليهم عامر و صاح بهم كعادته "أنا من باب الشيخ، أسويكم ثريد بالعباس" ولكنهم سحبوا علينا السكاكين تجمعوا حولنا بنية الأيذاء و أجبرونا على دفع الزجاجتين و الأكرامية للنادل .
بعد أن أمضينا عشرون يوماً في أثينا قررنا السفر الى القاهرة التي أمضينا فيها قرابة الستة عشر يوماً برغبة جياشة للقاء بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والتعرف على أجواء مصر العظيمة بغناءها وتراثها الكبير . لذا كان على رأس برنامج رحلتنا هو محاولة لقاء عبدالوهاب ، قالوا لنا أنه يسكن في فندق شيرتوان سألنا عنه نفوا وجوده في الفندق وأشاروا الى إنه يسكن في فندق سمير أميس الذين نفوا أيضا وجوده في الفندق ولم نراه , وأخيرا تم أرشادنا الى عمارة "ليبون" في المعادي، حيث يسكن في الطابق الحادي عشر من العمارة , سألنا بواب العمارة أكد سكنه وقال بأن الأستاذ سافر الى سوريا للمصيف في أحدى مصايفها وهي مصيف "بلودان" الواقعة على هضبة عالية جداً، لم نصدق قوله لذا سلمته خمسة جنيهات وسمح لنا بالصعود بالمصعد وفعلا كان أدعاءه صحيحا مما جعلنا نشعر بالأحباط والأسى لعدم تحقيق حلم اللقاء بهذا الموسيقار العظيم , ولكنه أتاح لنا فرصة في التعرف على الوسط الموسيقي والغنائي في القاهرة حيث زرنا فرقة "ام كلثوم" التي كانت تشبه فرقة الإنشاد العراقية من حيث الأهتمام بالتراث والغناء الجماعي وقابلنا مديرها الراحل الأستاذ "عبدالحليم نويرة" ارشدنا اليه الاستاذ كمال الحجار صاحب مجلة المصور وجريدة "الكواكب" ومن خلاله كان يدعونا الى الغناء في حفلات شبه يومية في أحد المنازل، يحضرها بعض الفنانين والمجتمع المخملي القاهري و تعرفنا على عراقيين حيث كنا نسكن في حي المهندسين التي كانت من الأحياء الراقية حينها وقد أستأجرنا شقة مفروشة بمبلغ (٤٠) جنيها شهرياً وكان مبلغا عالي جدا ولم نكمل المدة الا (١٦) يومياً ورجعنا بعدها الى العراق، كان اللقاء بالأستاذ "عبد الحليم نويرة" مثمراً وغاية في الأهمية بالنسبة لنا حيث رحب بنا أشد الترحيب وطلب اأن يسمعنا أنا و عامر وكان مجتمعا بفرقته الغنائية ، كان موجوداً حينها كل من سوزان عطية و عفاف راضي وعلي الحجار و محمد الحلو و محمد ثروت و غيرهم أسماء لامعة قدمهم كمغنين في الفرقة ، غنى عامر توفيق مقام عراقي وبسته والمقام كان من مقام اللامي والبسته كانت كللي يا حلو منين الله جابك، قدمني عامر توفيق بأدبه الجم والطيب بقوله هذا عبدالوهاب العراق حيث غنيت أغنية عبدالوهاب التي غناها بداية الثلاثينات وهي "كلنا نحب القمر، والقمر بيحب مين، حظنا منه النظر، والنظر راح يرضي مين" يبدو أن غنائي قد أعجبهم وقالوا بالإجماع: دانت مش عراقي، دانت مصري.. وسألنا عبدالحليم نويرة من هو مدرب الفرقة ومديرها قلنا له الأستاذ روحي الخماش وقال يا سلام دا علم عربي وموسوعة فنية غنائية أنه من دفعة واحدة معي أثناء تخرجنا من معهد الموسيقى العربي، أنا عايزاكم الاثنين عامر وفؤاد أن تنتمون الى فرقتنا فرقة أم كلثوم و أحسب لكما مرتبا شهريا قدروه (١٦) جنيها لكل شهر، الراتب الشهري الواحد لأعضاء الفرقة هو (٨) جنيهات لكل عضو من النساء و الرجال، وسأل عفاف راضي كم راتبك بالفرقة قالت (٨) جنيهات وهي خريجة معهد الكونسيرفتوار على شرط هاتولي تصريح من السفارة العراقية يخولكم بالتعيين عندنا، ودعانا لحفلة الموسم لفرقة المُقام سنويا ولم يمكننا الحضور لضيق الوقت.
محطة 4
العودة الى حضن الفرقة
بعد عودتنا من السفر أنخرطنا مباشرة بالتهيئة للحفل السنوي الذي تقيمه الفرقة بناءاً على طلب رئيس قسم المنوعات الأستاذ الراحل حسين التكريتي , حيث غنى عامر مقام وبستة وأنا غنيت قصيدة مغناة من شعر غازي البغدادي والحان الراحل ألفريد جورج , ولم يسعفنى الوقت للتدريب عليها بمعية الفرقة الموسيقية , مما أضطرني الى تقديمها في الحفل بالعزف على آلة العود فقط . القصيدة نالت اعجاب المشاهدين جميعا , وبناءاً على نجاحها طلب مني الاستاذ حسن الشكرحي أن نسجلها بمرافقة الفرقة الموسيقية في التلفزيون وأرسلت رسالة الى الفريد جورج طلبت منه أن يبعث لي نوطات قضيدة "فاتنتي" التي قدمتها بالحفلة لفرقة الإنشاد حيث كان الفريد جورج مقيما دائمياً في لندن ، وبعد أنتظار لمدة "٢٥" يوميا وصلت النوتات بالبريد ولكن لم يفي أستاذ حسن الشكرجي بوعده ، حيث كان يؤجلني كعادته كلما أفاتحه بتسجيل أغنية "فاتنتي" مع أن القصيدة مجازة من وحدة المنوعات وليس عليها أعتراض وبقيت محفوظة بتسجيل على العود الى يومنا هذا.
قبل سفرالفرقة الى تونس في عام ١٩٧٧ للمشاركة في المهرجان بيوم واحد أقيم الحفل السنوي للفرقة حيث غنى الفنان عامر توفيق موشح "ملا الكاسات"
بينما غنى الثنائي صباح ومي "ليش ليش ليش يا جارة" من مقام الكرد، و أنا غنيت موشح ياحبيب الروح .
كان الفنان عامر موهوباً و مجيداً لجميع الأنغام و الوان الغناء ، حيث يغني الريفي و المقام العراقي و الموشح و الاغنية البغدادية و المربع و المونولوج. ويمتاز بموهبة تقليد المطربين صوتاً وأداءاَ أذ لا أحد ينجو من تقليده أبداً، فبينما يقلد المطربة أمل خضير و حركاتها وصوتها ينتقل الى تقليد جميع قراء المقام العراقي وحتى أفراد الفرقة لم يسلموا من تقليده وأنا واحداً منهم , حدث يوما أن زارنا المطرب السوداني سيد خليفة يتفقد هذه الفرقة التي سمع عن نجاحاتها و أذا بعامر يهمس بأذني قائلا: "أكوم أقلده" قلت "وأستاذ روحي الخماش موجود أشلون تقلده" قال: "لا بأس استأذن من استاذ روحي واكوم ، تره هذه لعبتها" و فعلا نهض عامر و اخذ الأذن من أستاذ روحي الخماش و بدأ يقلد المطرب السوداني سيد خليفة بأغانيه المشهورة "يا اسمر كول" و" مامبوا سوداني" و غيرها نال أستحسان المطرب سيد خليفة، و مرة أخرى أيضا قلد المطرب يوسف عمر أمامه و قال له "أنت مطرب لو ممثل" ، قال له عامر توفيق: "أنا بتاع كله" .. أحيانا كان يلاقي نقداً من أساتذة كبار مثل الراحل هاشم الرجب أذ طلب منه أن بختص بنوع واحد من الأداء وفرض عليه أن يغني المقام العراقي يأعتباره ناجح بهذا اللون. وأعاد الفنان الاستاذ "علي الامام" التأكيد على عامر بأن يتخصص في نوع من الغناء أذ قال له علي الامام أرسي على حال من الغناء أما القصيدة و أما المقام العراقي أو الأغنية الريفية و المربع أوجدلك هوية تشير لك بدلا من التشتت بين أنواع الغناء وتنوعه ، مما أثار غضبه وزعله على الأستاذ علي الأمام وبقي لفترة طويلة على زعله مما دعاني للتدخل ومصالحتهما .
محطة 5
متفرقات
قال لي ذات مره: تعال يا فؤاد نذهب الى بيت أحد الأصدقاء وستكون سعيدا بهذا البيت، وما أن دخلنا الدار حتى لقينا أستقبالاً حاراً وكريماً وأخذوا عامر بالأحضان و قدمني لهم بأعتباري زميله الروحي، وبينما كان مشغولا لفت نظري صورة كبيرة بالابيض والاسود لمطرب المقامات الراحل حسن خيوكة، و أنا معجب بهذا المطرب ذا الصوت القرار وباغانيه الشعبية و سألته هل هم معجبون بهذا المطرب، قال لي حسن خيوكه أحد اقربائي من الأم ولذلك حفطت كل دواوينه و سألوا عن أخته ساهرة و بقية أخوانه و فعلا زادني شرفا بهذه الزيارة التي لم تحدث معي غير مرة واحدة فقط.
عامر توفيق انسان شعبي بسيط، رقيق القلب، مسامح يحب الخير للأخرين، سافرنا مرات عديدة الى الخارج تنبهت الى سلوك ملفت له أثناء سيره يتلفت يمينا و يسارا و عندما سألته عن ذلك يقول خوفا عليك من أن تكون عرضه للمشاكسين , وتأكيدا على حرصه ونبله ورعايته لي يحتفظ بجواز سفري في صدره و يبقى عنده الى يوم رجوعنا الى العراق.
كان أحيانا يأخذنا في رحلة من أجل صيد (السمك الجري) التي ورثها عن أبيه وفي نهاية الرحلة نرجع محملين بثلاث أكياس ذات القلم الاحمر و تسمى (الكونيه) ويعطيني واحده منها حيث أخذ حصتي منها انا (١٠) سمكات واوزع الباقي على جيراني في المحلة، ذات مرة اعطاني الصنارة بيدي ولفها بشاش حتى لا تخدش يدي وبعد (١٥) ثانية أصطدت سمكة جرية كبيرة جداً بطول نصف إنسان، قال لاتدعها
وإذا بها تأخذني الى الماء و أسقط على وجهي ولكنه أخرجها وإذا بها مترين تقريبا. …كان صيداً ثميناً.
كان استاذ روحي يومياً يحفظنا دور "على غصون البان" بدأ أستاذ روحي يكتب الدور لعبد الوهاب على السبورة، وكتب أسم أمير الشعراء احمد شوقي شاعر للأغنية , أبتسمت و همست بأذن عامر وكان جالس معي على رحلة واحدة ، قلت له "الشعر مو لأحمد شوقي بل لأحمد رامي" نهض عامر من مكانه و قال: "استاذ الشعر مو احمد شوقي لاحمد الشافي"، رد عليه استاذ روحي قائلا: أسكت عامر، أنا خربت من الضحك والفرقة كلها ضحكت قال روحي ماهذا الضحك أحنا وين كاعدين (أبطوله)، سكت عامر وألتفت على قائلا "شنو انت دتلعبني" ، انا لم استطيع الكلام مرة ثانية لأن ماخذتني الضحكة ، سألني عضو الفرقة أكرم عبدالله "ماذا قلت لعامر توفيق" قلت " الشعر لاحمد رامي وليس لشوقي" قال اكرم "أستاذ الشعر احمد رامي وليس احمد شوقي" ولم يلتفت روحي.. رد عامر مرة ثانية "أستاذ مو كنالك الشعر ، فؤاد احجي ليش ساكت" تعصب الأستاذ روحي الخماش و رمى الطباشير على الارض و غضب قائلا "هذي مو حالة عيب أنتوا قابل إصغار" قال عامر "استاذ الشعر خطأ انت ليش تزعل فؤاد يقول الشاعر منو هو، احجي فؤاد شنو أخرسيت خوما أخرسيت".. قال لي استاذ روحي " فؤاد شكو" قلت "الشاعر احمد رامي وليس احمد شوقي" قال "متأكد" قلت " نعم " قال " كوم اكتبها " انا محيت شوقي و كتبت رامي.
مرة أخري حفظنا أستاذ روحي دور لأم كلثوم "مين اللي قال القمر يشبه نور الفؤاد"، وكتب أستاذ روحي الخماش أسم الملحن زكريا احمد و قال الكلام قديم و من مقام الراست… صحيح نعم. و قلت لعامر توفيق، الكلام للأستاذ عبدالرحمن الفياض قبل ما يتكلم عامر توفيق سبقته فرقة البنات و رجال: " أستاذ الكلام لعبدالرحمن الفياض" بصوت عالي مرة واحدة، التفت أستاذ روحي قال "شكو شصار بيكم" قالوا " فؤاد يقول الشاعرعبدالرحمن الفياض" قال "انت متأكد" قال عامر بصوت عالي: " شنو قابل أنكذب عليك"
ومرة قال لنا استاذ مهدي الصفار " منو منكم يقول بكل صراحة فلان أحسن مني " قال محمد الجميلي ومحي الدين ونجيب طارش و فضيلة عبدالجبار و غيرهم " فؤاد فتحي احسن منا" ومنهم قال "عارف محسن أحسن مني " و هكذا و غيرهم قال فلان وفلان أحسن مني و أنتهى الموضوع ، قام عامريوجه كلامه للفرقة " لعد أني وين صرت، ماحد كال عامر" بالاخر قال لي استاذ مهدي الصفار " انشوف رأي فؤاد ماهو" شكرتهم على مواقفهم النبيلة وقلت لهم " لا أساوي شيئا الا بوجودكم" وصفق الجميع، وقال مرة ثانية استاذ مهدي الصفار " أيكم يختار قدوة للصف " قالوا نختار ثلاثة هم: حسين عوني ، عارف محسن ، فؤاد فتحي، أنا تنازلت لأحدهما أما عارف وأما حسين، قال عامر: " قابل راس أبويه أكرع، أنتخبوني قدوة، والله أراويكم الويل. "
عامر توفيق أنسان عفوي يتسم سلوكه بالبساطة والطيبة وهي خصال مستمدة من بيئته البغدادية العريقة ومن تربيته العائلية التي أرضعته المحبة والطيبة والبساطة في التعامل مع الناس , وهو فنان ومغني من طراز خاص يتمتع بخامة صوتية قوية ويمتلك مهارة غناء كل أنواع الغناء من مقام والغناء البغدادي الحديث والموشحات وبسبب مهارته الأدائية وقوة صوته منحه الراحل روحي الخماش فرصة الغناء الأنفرادي في فرقة الموشحات العراقية .
موشح ( هاجك الذكر) الحان الموسيقار روحي الخماش غناء الفنان عامر توفيق
موشح ( يا أهيف القد) الحان الموسيقار روحي الخماش غناء الفنان عامر توفيق
ومع كل هذه الأمكانيات التي يتمتع بها ولكنه لم يأخذ نصيبه الذي يستحقه من الشهرة والأهتمام خاصة بعد أنفراط عقد الفرقة التي كانت تشكل بيته وعائلته التي أعتزل أغلب أعضاءها وهاجر البعض منهم الى المنافي لتطوى صفحة مهمة من تاريخ الغناء في العراق لما كانت تمثله الفرقة من قيمة فنية عالية حافظت على الموروث الغنائي العراقي .
حاول الفنان عامر توفيق اللعب في الوقت الضائع كما يقال وأستعادت بعض من بريقه وحضوره الذي طواه النسيان من خلال مشاركته في عام 2016 في برنامج (ذا فويس) هذه المشاركة التي منحته شهرة واسعة وأعادة التذكير به وبأمكاناته الكبيرة التي كانت محط أشادة لجنة التحكيم والجمهور الواسع , وبسبب أحترافيته ولكون البرنامج مخصص للهواة لذا أعتذرت منه اللجنة مشيدة بأستاذيته , فمثلما كانت لمشاركته فوائد أشرنا لها فأنها في المقابل أصابته بالأحباط والألم أصيب على أثرها بمرض السكري بالأضافة الى تعرضه الى عدد من الجلطات التي جعلته طريح الفراش , دعوانا له بالشفاء العاجل والسلامة .
خاض الفنان عامر توفيق تجربة التلحين ، فلحن في اغلب الألوان الغنائية ، حيث لحن القصيدة والموشح والغناء البغدادي الأصيل والمربع.