بحث وأعداد : الباحثة الموسيقية فاطمة الظاهر
ان المتتبع لمسيرة الفنان الرائد مجيد العلي , قد يجد صعوبة في تأطير صورة تاريخية لمسيرته الفنية والأبداعية الممتدة عبر عقود من الزمن , لا بكونها ممتدة في عمق التاريخ الفني الحديث لمدينة البصرة الفيحاء فحسب , بل لكونها شخصية تتسم بالثراء الأنساني والفني وفي التنوع الثر في أشتغالاته الأبداعية مابين العزف على أكثر من آلة موسيقية وبين الغناء والتلحين والتأليف والتدريس وكذلك في تأسيسه وأدارته لكثير من الفرق الموسيقية البصرية ولبعض من أهم مؤسساتها الفنية كالأذاعة والتلفزيون وفرقة الفنون الشعبية ونقابة الفنانين وغيرها .
لكل مدينة خصائص وسمات تتسم بها مشتقة من بيئتها الطبيعية ومن تاريخها وكذلك من نسيجها الأجتماعي المتبلور من تفاعلاته مع البيئة ومن التاريخ المتراكم للمدينة , الذي ينعكس بالضرورة على الأفراد والمجتمعات المحلية لها . فالبصرة تعتبر ثاني أكبر مدينة في العراق ، تقع في أقصى جنوب العراق على الضفة الغربية لشط العرب وهو المعبر المائي الذي يتكون من التقاء نهري دجلة والفرات في القرنة على بعد 110 كم شمال مدينة الفاو، وتطل على الخليج العربي ، لها حدود دولية مع كل من السعودية والكويت جنوباً وإيران شرقاً، والحدود المحلية لمحافظة البصرة تشترك مع كل من محافظة ذي قار وميسان شمالاً، والمثنى غرباً. كما أنها تعتبر ميناء العراق الأوحد، ومنفذه البحري الرئيسي، كما تزخر المحافظة بحقول النفط الغنية ومنها حقل الرميلة وحقول الشعيبة وحقل غرب القرنة وحقول مجنون ونهران عمر ، وبحكم موقعها حيث تقع في سهول وادي الرافدين الخصيبة، فإنها تعتبر من المراكز الرئيسية لزراعة النخيل بشكل رئيسي ، تقع على أرض اما سهلية رسوبية اوصحراوية. كما أنها تحمل تاريخا يمتد الى بدايات الفتوحات الأسلامية المبكرة اذ تعتبر أول ولاية في العصر الإسلامي خارج حدود الجزيرة ، وقد أصدرالخليفة عمر بن الخطاب أوامره لإعلانها "ولاية" وعين عليها واليا وهو عتبة بن غزوان. اذ كانت قبل ذلك معسكرا لجند المسلمين القادمين من الجزيرة الذين أستوطنوها وعمروها لتصبح فيما بعد واحدة من أهم مراكز الثقافة والأشعاع الحضاري في التاريخ الاسلامي .
ان الموقع الجغرافي لمدينة البصرة وتنوعه مابين السهل الرسوبي الخصب ومابين البيئة الصحراوية الجافة وأطلالته على الخليج , شكل مصدرا مهما لتنوع موارده الاقتصادية وأنعكاسه على تنوع البيئات المحلية , بالأضافة الى موارد البترول والغاز . مما عكس تنوعا في البنى الأجتماعية والثقافية لمدينة حفلت بموروث تاريخي عميق الجذور منفتحا من خلال أطلالته على البحر على ثقافات الشعوب المجاورة والبعيدة في الوقت نفسه .
الفنان مجيد العلي , وزملائه من المبدعين البصريين هم خلاصة وأنعكاس لكل هذه المعطيات البيئية والتاريخية والثقافية , التي وسمت الابداع البصري بسمات خاصة تميزه عن غيره من مناطق العراق الأخرى التي تمتاز كل منطقة منه عن الأخرى بخصائص تعبر عنها لتشكل بمجملها فسيفساء , تدعى الثقافة وألأبداع العراقي . فالمتتبع للسيرة الأبداعية لهذا الفنان الرائد يجد أنعكاسا واضحا لهذه الخصوصية في اعماله ومنجزه الفني التي تنقلت مابين الخصائص البيئية التي تنقل بينها الفنان ، اذ كانت البدايات في قرية التنّومة التابعة لمركز قضاء شط العرب , التي تشبعت أذنيه وروحه من عذوبة الحياة وبساطتها وماتبثه الحقول ونخيلها من أصوات ممتزجة مع كمان معلمه الاول وشقيقه الفنان فرحان العلي الذي كان يجيد العزف على اكثر من آلة ومنها العود , بالأضافة الى ماأختزنته ذاكرة الطفولة من أنغام وقصائد كان يغنيها معلمه بالاضافة الى ماتحتويه مكتبة شقيقه فرحان من درر الاسطوانات في الغناء والقصائد العربية والعراقية التي كان يبثها عبر جهاز الكرامفون . ولم ينقطع تأثير شقيقه عليه حتى بعد أن أنتقلت العائلة الى منطقة العشار مركز مدينة البصرة بل تعلم منه الكثير لاسيما وأنه قد أنخرط في التعليم الثانوية والآعدادي مما شكل أضافة نوعيه لوعيه وذائقته التي بدأت من خلالها تتشكل ملامح شخصيته الفنية سيما وأن اجواء مدينة البصرة حينذاك كانت في ذروة التعبير عن أندماجها بالحداثة والمدنية التي جلبتها لها شركات النفط والموانيء والشركات الاخرى التي جعلت من البصرة منافسا للعاصمة بغداد ان كان على مستوى العمران ام على مستوى الانشطة والفعاليات الثقافية والفنية المحلية أو من خلال الفرق الفنية العربية التي كانت تزور العراق .
وما أن أتم الفنان مجيد العلي دراسته الأعدادية حتى أتجه الى ممارسة الفن من خلال تأسيسه مع مجموعة من زملاءه وأصدقاءه لفرقة موسيقية لنادي الأتحاد التي كانت من الفرق التي أثبتت حضورا مهما في الوسط الفني , وقد شكلت مختبرا لتطوير أمكانياته في العزف والتلحين , وكان لصدور أمر تعيينه في الموانيء حافزا له ليؤسس بمشاركة زملاءه فرقة الموانيء , لاسيما وأن القدر الحسن كان بأنتظاره للتعرف على مهندس أيرلندي ( مستر داودلنك ) , الذي علمه قراءة النوتة الموسيقية , والذي شكل رافدا مضافا للتعلم ولتطوير ثقافته الموسيقية التي تبلورت فيما بعد عن أول لحن له لأغنية (على درب الهوى ما أمر) الذي غنته المطربة أمل خضير في أول ظهور لها . وبالاضافة الى الحفلات التي كانت تقيمها الفرقة بأعضاءها من البصرة , فأنها كانت تشارك حفلات المطربين العراقيين القادمين من بغداد أو المطربين العرب الذين كانوا يتوافدون على البصرة .
أتسم الغناء البصري بأغاني البحارة والخشابة التي شكلت خاصية مميزة للفن الغنائي للبصرة , الذي أمتد أثره الى بلدان الخليج العربي بالاضافة الى أنماط الغناء الاخرى المحلية والعربية , ومما يحسب للبصرة أنها كانت رائدة على مستوى العراق بفن الأوبريت الذي أختصت به عن باقي مناطق العراق الاخرى , وقد كان الرائد مجيد العلي بالاضافة الى الفنان حميد البصري والفنان طالب غالي من رواد فن الاوبريت , اذ أتحفوا المكتبة الموسيقية العراقية وذاكرتها بهذا الفن , اذ لايمكن للذاكرة السبعينية أن تنسى اوبريت (نيران السلف) و ( بيادر الخير ) وغيره من الاوبريتات .
وعودا على بدء نعود ونقول بأن مسيرة الفنان الرائد مجيد العلي وسيرته الابداعية لايمكن أختزالها بهذه المقدمة ولكننا اردنا من خلالها ألقاء الضوء على بعض المثابات في هذه المسيرة وعلى البيئة التي شكلتها وأثرت فيها ..وقد أستعنا ببيلوغرافيا لنتاجات هذا الفنان الكبير في أعماله الغنائية واللحنية , وكذلك على لقاءات يمكن لها مع مقدمتنا هذه ان تفيه بعض من حقه علينا وعلى الفن العراقي ومؤسساته الفنية عموما .
حاورته السيده الهام ناصر الزبيدي ممثلة فريق تابع لأصوات العراق.. فتفضل بما هو آتي :
ولدت عام 1933 ، في قرية التنومة مركز قضاء شط العرب ، من عائلة متوسطة وعشت في منزل بسيط ، عبارة عن غرفة مبنية من الطوب وكما يقولون والبقية من القصب والطين وأتذكر في المنزل الذي ولدت فيه كانت هناك نخلتان لا زالت في الذاكرة وهي من البرحي وقفص للدجاج موجود في الزاوية والنعجة التي كنا نشرب الحليب الصباحي منها ، عائلتي عائلة متوسطة والدي يعمل في سلك الشرطة وتدرج إلى أن وصل إلى رئيس عرفاء والعائلة مكونة من الوالد والوالدة والأخ الأكبر فرحان وأختي الصغرى ليلى وأخي الأصغر حميد أضافة إلى جدي بالحياة لأمي وجدتي لأمي ايضاً .
بقيت في هذا المسكن أو منشأ الولادة إلى أن دخلت الدراسة الأبتدائية وكانت الأبتدائية في (مدرسة الكردلان الأبتدائية) وهي مدرسة تبعد عن طريق التنومة مسافة حوالي ميل وكنا نقطع المسافة ما بين التنومة والمدرسة بطريق زراعي يقع على جانبي نهرين وكانت الصعوبة جداً أيام الأمطار الغزيرة جداً وكنا نعاني في الوصول الى المدرسة بصعوبة ولكن لا نجد هناك طالباً يتغيب عن المدرسة وأن تغيب لسبب ، يأتي في اليوم التالي والده أو رب الأسرة ليعتذر ويبرر للأدارة سبب غياب ذلك الطالب.
التنومة كانت قرية صغيرة لم تصلها الكهرباء في ذلك الوقت خلال سنوات الخمسينات والأربعينات ، كانت التنومة وكرزلان والصالحية مناطق خضراء ولهذا سميت كردلان " كرين لاند " لكثافة النخل فيها وخضرة الأرض كانت معظم صادرات التمور من منطقة التنومة وشط العرب لشهرتها بزراعة النخيل . وكانت قريتي التي اعيش فيها عبارة عن أزقه صغيرة بيوتها لاتزيد عن 30 بيتاً معظمهم يعملون في دوائر الدولة ( الشرطة أو الميناء أو دوائر الكهرباء ) واسرتي كانت واحده منهم ، اما بقية الناس الذين يعيشون في التنومة فكانوا من الفلاحين يسكنون البساتين ، الماء ينقل إلى البيوت عن طريق السقا وهو الرجل الذي كان يجلب الماء من شط العرب الى القرية ينقلها على ظهور الحمير ، وأما الكهرباء منقطعة تماما ، كان هناك جهاز راديو واحد في بيت المختار الحاج بدر المرزوق والذي كان يعمل على البطارية السائلة وكانوا جميع الشيوخ ومن ضمنهم جدي يذهبون للجلوس في هذه الديوانية المخصصة لبيت المختار الحاج بدر ويستمعون إلى الأخبار وما ينقله لهم هذاالراديو الصغير.
كان جدي سلمان والحاج محمد والحاج جاسم وصبحي منيخر والحاج فزع هجول أبو كاظم لهم لقاءات يستمعون فيها الى الموسيقى عن طريق اجهزة الكرامافون ، يستمعون الى الأسطوانات والتي كان لها دور في مسيرتي الفنية في مدرسة الكردلان.
مدير مدرستي في الابتدائية كان جعفر الصفار. اما اساتذتي فأتذكر منهم محمد عبد الوهاب ، عبد الودود أما البقية لا تحضرني اسمائهم .
في المدرسة كان هنالك ست صفوف من الأول الى السادس الأبتدائي فقط وكانت تقع على ضفاف شط العرب المكان المطل على منطقة الرباط على العشار الآن.
في مدينتي التنومة كان هنالك دوائر رسمية ، كدوائر الشرطة ، ومديرية الناحية ، وكذلك دوائر للكمرك المكوس ياخذون عمولات على المبيعات والدكاكين.
في ذاك الوقت كانت لدينا عادات أفتقدناها في مدارسنا الحديثة ، اتذكر أيام البرد القاسية ومناطق الانهار التي نمر عليها في ذهابنا وأيابنا من والى المدرسة ، حيث نرى طبقة من الثلج تغطي الأنهار وحتى خزانات الماء (لحبوب) تتجمد ايضاً (لحبوب وهي خزانات الماء مصنوعة من الفخار ومفردها حِبْ ) ، كنا نذهب الى المدرسة قبل يوم لنجمع الفلوس ( من كل شخص فلس) ونعطيها لفراش المدرسة ليأتينا بالفحم ليجهز فيه التدفئه لليوم التالي في صفوفنا.
في نهاية عام 1947 ، 48 كانت الحرب قد بدأت بين العرب وأسرائيل ، وقتها اصدرت وزارة المعارف أمراً ، لجميع المدارس في العراق في أن يلبس الطلاب زي الفتوة وهو زي عسكري وزع على الطلاب برتبة نائب عريف ، كذلك وزعوا بنادق من الخشب للتدريب الصباحي ، والأمر كان كأعلام في ذلك الوقت حيث كانت هنالك تعليمات مشددة أن الملابس لآ تنزع إلا لمن يكون داخل البيت ، أما في الشارع فيجب لبس هذه الملابس .
من الزملاء الذين أتذكرهم عبد الودود ، سيد نعمة ، نجم عبد سلمان ، وثابت فزع ، محمد هادي ، حسن رشيد ، عبود ياسين ، حمود عبد الزهرة ، وأتذكر من الجماعة الذين يأتون من القرى القريبة للتنومة ، سعد شاهين الذي وصل إلى مدير إدارة تربية البصرة ، وأتذكر أيضاً ناجح عبد الرضا وقد وصل إلى رتبة متقدمة في الشرطة ، عميد أو أكثر ، أتذكر أيضاً علي حسين العكرفي ، أصبح شاعر معروف ويعمل معلم ، أتذكر سيد كاظم مبارك البطاط ، من زملاء الدراسة في ذلك الوقت ، أتذكر ناجي محمد أيضاً وعبد النبي طاهر ، مجموعة كبيرة من الأخوان لا تحضرني أسماء البعض منهم للفترة الزمنية التي باعدت بيننا .
عدد طلاب الصف الواحد لا يتجاوزون الخمسة وعشرين طالباً في ذاك الوقت ، كنا نبدأ الدوام من الثامنة صباحاً حتى الثانيةعشر ظهراً.
كان الشخص الذي أثر في حياتي الفنية أبلغ التأثير ، هو اخي الأكبر "فرحان " ولم يؤثر بي في الجانب الدراسي ، وأنما في الجانب الفني ، كان فناناً يجيد العزف على الة العود ويحمل بذاكرته خزين من القصائد والأغاني لكبار المطربين العرب والعراقيين ويكبرني بحوالي سبع سنوات ، كان يعمل في بدالة العشار وكان في نهاية كل شهر يشتري اسطوانة من اسطوانات محمد عبد الوهاب او ام كلثوم او محمد القبانجي ليستمع اليها عن طريق الكرامافون الذي كنا نملك واحداً منه في البيت ، كان الكرامافون يسمونه اليدوي ويعمل بواسطة زمبرك كان لدينا منه 2 ، احدهما كبير لتخزين الاسطوانات والاخر للاستماع ، ومن الشركات التي وفرت لنا هذه الاجهزة هي شركة كايروفون يطلقون عليهة (ابو الجلب ) لوجود صورة كلب يغني امام الكرامافون. في ذلك الوقت كان هنالك اقبال من قبل الناس للتعامل مع الموسيقى كفن رفيع يمارسه الانسان
كان لدى اخي فرحان فرقة ،اسمها فرقة الخشابة ، ففي الخمسينيات من القرن المنصرم ، شكل فرقته ( فرقة الخشابة ) والتي كانت تضم خيرة العازفين والمغنين ، ومن الاسماء البارزة في فرقته ، هم ، الحاج عبد الزهرة النجم والد المطرب رياض احمد كان يكتب زهيريات ، ومن ضمن العازفين في هذه الفرقة على الطبلة ، جاسم بدر وهومن لاعبي الميناء القدامى والذي كان مشهوراً بضرباته القوية وكان معهم عازف ايقاع مشهور اسمه خليفه ، وعازف كمان اسمه رحيم ، لقد عمل اخي فرحان على توحيد الفرقة بحيث ضمت فنانين من التنومة ومن بيت زعير ومن الصالحية ومن جبيلة ومن العشار ومن اكثر المناطق التي اشتهرت بأصواتها الجميله ومساهماتها في أحياء حفلات الأقارب والمعارف ، ذاعت شهرتها في منطقة المعقل وفي منطقة الجبيلة ، ، لقد شكل وحدة فنية بين مناطق البصرة ، واتذكر من طقوس هذا الأخ الاكبر كان يجلس جلسه خاصة في آماسي الخميس يمسك عوده ويعزف اغاني الفنان الكبير محمد عبد الوهاب ( عندما ياتي المساء ) وأغاني لسيد درويش (ضيعت مستقبل حياتي) وأغنيات أم كلثوم القديمة ومن المقامات كان يغني لمحمد القبانجي وحضيري أبو عزيز وسليمة مراد ومجموعة من الأغاني المتنوعة يمارسها كطقوس لليلة الخميس.
هكذا تأثرت بهذه البيئة وهذه الاجواء التي كان يشيعها اخي في البيت ، فمن خلال سماعي للقصائد التي كان يتغنى بها على عوده ومن خلال اصطحابه لي لشراء الأسطوانات والتي كنت كمن يتغذى عليها حيث أقضي معظم وقتي في الاستماع اليها من الكرامافون.
في الخمسينيات انتقلنا الى منطقة الموفقية الى دور شركة نفط البصرة لانتقال عمل اخي من البدالة الى شركة النفط ، كان بيتاً مكوناً من 4 غرف وحديقة واسعة كنت وقتها ادرس في الاعدادية المركزية في العشار وهذه الاعدادية من المدارس العريقة في البصرة تقع في منطقة العشار ، كان يديرها الاستاذ سامي الهلالي ومن مدرسينا اتذكرهم في مجال دراسة الكيمياء الاستاذ حبيب هداية وفي التاريخ الدكتور فيصل السامر وفي الرياضيات حسين النعمة وفي مادة الاحياء كاظم الحجاج وابراهيم الشرقاوي مدرس الجبر وادور سيزر مدرس اللغة الانكليزية وعلي السباهي وحمودي البدر في الرياضة ، وكانت المدرسة نموذج عالي بالدراسة
بعد مغادرتي الاعدادية المركزية اتجهت الى تشكيل ، مع مجموعة من الاصدقاء ، فرقة نادي الاتحاد (نادي الاتحاد مؤسسة رياضية كان مقرها في مدرسة الأميركان) ، وهي فرقة موسيقية تمتلك مقومات لفرقة موسيقية متكاملة من ناحية عدد الآلات الموسيقية والشكل العام والعمل المسرحي ، وقد بدأتها انا ومجموعة من الاصدقاء امثال المرحوم عبد الحسن تعبان وصبحي محمد زكي وادمون نعيم ، وكانت اول فرقة تتشكل بهذا المستوى وبمثابة نواة للفرق الكبيرة التي اصبحت اساس عملنا وذات تأثير كبير في مجال الحياة الموسيقيه في البصرة ، حيث قبل فرقة نادي الاتحاد كانت الفرق عبارة عن مجاميع صغيرة تضم مجاميع محدوده من العازفين كعازف عود وعازف آلة الكمان والطبل والناي ، في حين فرقة نادي الاتحاد بدأت فرقة كبيرة واستمرينا في تطويرها لتأخذ شكل الفرق الموسيقية الكبيرة.
كانت فرقتنا تمارس عملها في الامسيات العائلية وكان هنالك اقبال كبير عليها من قبل الأعضاء وعوائلهم يحضرون حفلات وامسيات النادي الموسيقية والغنائيه بالأزياء والملابس الجميلة حيث النساء السافرات بأحدث الموديلات والاطفال بكامل الشياكة وكانوا يستمتعون بما يقدم من هذه الفرقة من اغاني واناشيد ومقطوعات موسيقية.
شاركت هذه الفرقة مع نادي الاتحاد في سفرة الى عبادان والمحمرة لتقديم العروض الفنية ، وقد شارك معنا العديد من فناني البصرة وبغداد منهم على سبيل المثال لا الحصر ، شاكر عبد النبي صاحب صوت جميل من الاصوات القريبة الى محمد عبد الوهاب و لويس توماس عازف الكمان ، وعبد الحسن تعبان عازف جلو ، وفريد ولتر عازف ايقاع وانا عازفاً على آلة الكمان ، ومن بغداد كانوا معنا المطرب رضا علي ، واحلام وهبي ومن العازفين الاستاذ سالم حسين عازف القانون ، حكمت داوود عازف الناي ، حيث قدمنا حفلاتنا على مسرح وسينما عبادان وحفل ثاني في نادي الضباط عبادان ، ومن الامور الملفتة للنظر والتي اثارت ضحك الجميع ، حيث عند دخولنا السينما قبل بدء الحفل كان هنالك عرض فلم لفريد الأطرش وكان الفلم مدبلج الى اللغة الفارسيه فبدا وكأن فريد الاطرش يتحدث بالأيرانية فدخلنا في نوبة ضحك.
انتقلنا بعدها الى المحمرة حيث اقمنا حفل فيها ومن ثم عدنا الى البصرة ، وهذه كانت اول سفرة فنية لي في ذلك الوقت.
سنة 1960 ساهمت الفرقة بحفل استقبال الاكراد عند عودتهم من الاتحاد السوفيتي وعلى رأسهم الملا مصطفى البارزاني ومجموعة من الاكراد الذين كانوا خارج الوطن ، حيث استدعاهم رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بعد نجاح ثورة 14 تموز للعوده الى الوطن ، في وقتها جاءوا بباخرة رست على رصيف العشار حيث استقبلهم الناس واقيم لهم حفل بهذه المناسبة في بناية بهو البلدية والتي هي نقابة الفنانيين ولا زال مقرها موجود ، وأقام الحفل متصرفية لواء البصرة عندما كانت البصرة متصرفية وليست محافظة ، ومن المطربين الذين احيوا الحفل مطرب المقام الاول الكبير الاستاذ محمد القبانجي.
بالنسبة لمسيرتي المهنية ، فقد صدر أمرتعيني في مصلحة الموانىء سنة 1956 ، في الفاو في قسم الحسابات ، ولي في الفاو ذكريات جميلة في نفسي لان فيها احد اساتذتي في تعليم الموسيقى مستر داودلنك وهو مهندس أيرلندي كان يعمل على الحفارة لكري شط العرب لتسهيل دخول السفن الكبيرة ، حيث علمني قراءة وكتابة النوتة الموسيقية وعلمته العزف على آلة العود ، طلب مني عنوان احد صناع العود في بغداد ، اعطيته عنوان محمد فاضل عندما كان في باب المعظم ، ذهب الى بغداد بقى فيها شهر ثم رجع ليريني تفاصيل لأجزاء صناعة العود حيث رسم العود مجسماً بتفاصيله وقياساته وبكافة أبعاده ، سألته ماذا تفعل بكل هذه المعلومات ؟ قال لي : اذا لم يتعلم احد العزف على العود في بلدي ، على الاقل سأصنع اعواداً لكي تعلق كآلة موسيقية شرقية في البيوت.
بقيت موظفاً في الفاو من سنة تعيني عام 1956 الى ما بعد ثورة 14 تموز ثم عدتُ الى ميناء المعقل ، وفي هذه الفترة نشطت الحركة الفنية في اندية الموانىء ، حفلات ، وحضور متميز لبعض المطربين من بغداد لاحياء تلك الحفلات ، وتزامن معها تشكيل فرقتين فرقة مسرحية وفرقة موسيقية
من أعضاء الفرقة الموسيقية (فرقة الموانىء) الاولى التي تشكلت :
لويس توماس
حميد البصري
خليفه امان عبد السلام
عبد الحسن تعبان
فريد والتر
وانا مجيد العلي
في هذه الفترة الزمنية في العام 1956 ، بدأ فؤاد سالم معنا كمطرب ، كان صوته جميل ويقلد ناظم الغزالي ، وفي سنة 1970 قدم في اوبريت نيران السلف ، بعدها تعلم على آلة الاركوديون وبدأ يعزف مع الفرقة .
هذه كانت ( فرقة الموانىء) ، وكنا جميعاً نعمل بالموانىء ثم انتقلنا إلى نادي الميناء وكوّنا نواة الفرقة الأولى للموانىء إضافة الى ان هنالك كانت فرقة مسرحية على رأسها (جاسم حمزة ، على العيش ، جميل اغاني ، سامي حول أخو قاسم حول ، جبار عبد الحسين ، سلمان العزاوي) ومجموعة الممثلين الذين يعملون في الموانىء ، ومن الممثلات كانت معهم سليمة خضير .
أول مؤلف موسيقي ألفته ، كانت معزوفة ( ليالي البصرة) سنه 1956 ، كنت وقتها لا اجيد الصولفيج وكتابة النوته الموسقية ، وفي تلك السنه جاء الفنان جميل سليم في زياره الى البصرة ، وقد التقينا به نحن مجموعة من فنانين البصرة في بيت الموسيقي لويس توماس ، وطلبت منه ان يدونها لي بالنوته الموسيقية ، فدونها ودون كذلك قطعه موسيقية للويس توماس ، وقد انبهرنا بسرعة كتابته للنوطة ومستوى الاتقان العالي في التدوين ، في الحقيقه هذا اللقاء مع جميل سليم ومشاهدتنا له وهو يكتب النوطة بهذه السرعه الكبيرة كان له الآثر الكبير في مسيرتي الفنية ، حيث من حينها قررت ان اتعلم الصولفيج وقراءة النوطة الموسيقية والتدوين الموسيقي .. وهذا ما جعلني اتتلمذ على يد الموسيقى مستر داودلنك المهندس الأيرلندي الذي كنت اعمل معه في مصلحة الموانئ كما ذكرته سلفاً.
كان من ضمن الفرقة الشاعر صابر خضير المعروف (الله ينطيه طول العمر) كتب لي كلمات أول اغنية وضعت الحانها حيث قبلها كنت قد ألفت قطعة موسيقية أسمها (ليالي البصرة) ، لكن بعد مجيئي للموانىء تعاملت مع اول شاعر كتب لي أغنية (على درب الهوى ما أمر) ولحنتها ، كانت (أمل خضير) صوت شاب وصغيرة وهي أخت الممثلة سليمة خضير ، فسجلناها بصوتها في ستوديو دور الجماهيرية وكان على رأس العمل الشاعر الكبير عبد الجبار البصري.
العازفين الذين شاركوا في هذا العمل هم : على القانون حميد البصري وعلى الجلو عبد الحسن تعبان وعلى الكمان لويس توماس ، وفريد والتر على الناي ، خليفة امان على الأيقاع وأنا على الكمان ، وهذه كانت اول اغنية لي لحنتها لأمل خضير ، ارسلناها إلى أذاعة بغداد واصبحت تذاع من أذاعة بغداد .
بعدها قام حميد البصري بالأنفصال عن الفرقة وأخذ مجموعة كبيرة من العازفين معه مما أضطرني ان اقوم بإعادة تشكيل الفرقة من جديد وبدأت انسق العمل وأضم اليها أعضاء جدد من داخل منطقة المعقل ومن البيوت القريبة من النادي لكي يتسنى لهم التواصل وتقديم أعمال الفرقة ، وهي (فرقة نادي الميناء) في تشكيلها الثاني ، والتي ضمت أعضاء بارزين في مجال الفن منهم :
طارق شبلي الفنان المعروف
الملحن خزعل جاسب على آلة الناي
فائق عبد الكريم
فؤاد سليم الذي أسمه الفني فالح حسن
محمد حسين
كامل عبد الجليل
فوزي العائدي الذي أصبح فنان في فرنسا له عطاءه
مهدي علوان
مهدي احمد صالح
جبار احمد صالح
محمد الحسن
جبار عبد الحسين
سلمان الغزاوي
حميد عجر
حسن اللامي
حميد العلي
عدنان فاروق حمدي وله باع في مجال الصحافة الأعلامية
فؤاد ابراهيم
عباس الحساني
مالك البديراوي
جانيت بولص
جراح البصري
ساكو
عماد مجيد العلي
مجيد العلي وعدد كبير من الفنانين التحقوا بهذه الفرقة.
في نادي الميناء الرياضي وفي العام 1965 اقيم حفل كبير للفرقة الماسية المصرية يصاحبها عبد الحليم حافظ وهدى سلطان وفائزة احمد وكارم محمود والثلاثي المرح ولبلبة ومجموعة كبيرة من الفنانين المصريين الاخرين ، حيث أقيم مسرح كبير ساهمنا في بناءه ، رسمناه على صورة ( الأنكر - المرساة) قام بتصميمها الفنان سامي حول واقيم الحفل ونقل من قبل أذاعة بغداد ، ونقل تلفزيونياً عن طريق وحدة النقل الخارجي لتلفزيون الكويت التي جاءت من الكويت عن طريق صفوان وكان عليها المخرج خالد الصديق مخرج ( بس يا بحر) ومعهم الممثل خالد النفيسي ، ووكيل وزير الثقافة جعفر ومجموعة من الفنانين ، وحضر الحفل جمهور غفير جداً حيث استمر الحفل حتى الصباح الباكر.
أستقر الوفد المصري في فندق شط العرب في مطار البصرة القديم. وكان من حسن حظي ان اكون مرافقاً لعبد الحليم حافظ في وقتها ، وفي اول مقابلتي له طلب مني 3 اشياء وهي : ان احضر له (طباخ وممرض ودكتور) وعندما حضروا قاموا بواجبهم على أكمل وجه ، كان المعتمد ( الممرض) ارمني ( ابو غازي كيروك ) معتمداً قديراً جداً في الموانىء ، عند خروجه من غرفة عبد الحليم قال لي :" هذا صاحبك جلد على عظم من كثر ما هو هزيل ، كنت ادور على مكان لآعطيه الابرة لم اجد مكاناً كي اغرزها " .. ثم زاره الطبيب وكشف عليه ، اما الطباخ فقد قال : " لقد طلب مني ان لا يكون هنالك قطرة زيت في الاكل بل كله يجب ان يكون مسلوق فقط "
شاهدت عبد الحليم في النهار مريض شاحب الوجه يعتليه التعب ، ولكن ساعة حضوره الى المسرح كان انسان آخر بوجه منفتح ومشرق بكامل أناقته وسروره ، قدم اغنية جميلة جداً ( ضي القناديل ) وكأنه ليس هو ذلك الانسان المريض العليل وكان الحفل ناجحاً وبكل المقاييس ، أستمتعوا به أهل البصرة وبقيت تلك الحفلة في احاديثهم لايام طويلة.
العمل في مصلحة الموانىء في تلك الفترة اي في سنه 56 وسنوات الستينيات ، كان الموظف او العامل يتقاضى اجوراً مجزية ، انا مثلاً كنت اتقاضى 30 دينار الراتب والموظفين في حدود 50 – 60 – 40 دينار ولكنها كانت تكفينا ان نعيش بها عيشة جميلة من ناحية المأكل والمشرب والملبس وتغطية كافة مصاريف الاطفال في الدراسة ، الراحة كانت شاملة لجميع موظفي البصرة وعلى اختلاف مؤسساتها رغم التفاوت في رواتبنا ورواتب الموظفين في النفط ، حيث كانت رواتب مصلحة الموانىء تأتي بالدرجة الثانية بعد موظفي النفط .
استمر عملي في دائرة الموانئ وفي دائرة المحاسبة ، كاتب حسابات وتدرجت بالوظيفة حتى اصبحت معاون محاسب ، انهيت خدماتي فيها بداية الثمانينات بعد خدمة لأكثر من 23 سنة من العمل لدائرة الموانئ ، بالاضافة الى أشغالي منصب رئيس فرقة نادي الاتحاد ورئيس فرقة الموانىء ورئيس فرقة تلفزيون البصرة
صدر امر تعييني في تلفزيون البصرة في العام 1983 ، فأسست فرقة للتلفزيون كان وقتها الاستاذ وفيق السامرائي مديراً لتلفزيون البصرة ، كان تلفزيون البصرة يقدم البرامج البصراوية الممتعه ، يصل مدى البث الى القرنة والفاو وساعات البث كانت تبدأ في الساعة 6 مساءاً ، ويستغرق 4 – 5 ساعات بعدها يرتبط بالمحطة المركزية (تلفزيون بغداد).
من خلال عملي في تلفزيون البصرة اسند لي برنامجين ، الاول ، برنامج ( عالم النغمة ) ، والذي كان من اعدادي وتقديمي واخراج احسان السامرائي ، وصلاح كرم أخرج البرنامج في الدورة الثانية ، وهوبرنامج ثقافي في مجال الثقافة الموسيقية ، ثم تبنيت برنامج ( مواهب من الجنوب) وكنت اقوم على أعداده ، قدمه كلاً من صلاح كرم وجنان ووجدان ، من خلاله كنا نبحث عن الطاقات الغنائية والموسيقية في مجال الفن حتى نبرزها ونقدمها من خلال هذا البرنامج لنسلط الاضواء عليهم ، كانت الفرقة الموسيقية المشاركة (في دورة البرنامج الاولى) في العزف ، هي فرقة الموانئ الموسيقية التي أنشأتها سابقاً ، وفرقة نقابة الفنانين الموسيقية التي أنشأتها عندما أسسنا فرع النقابه في البصرة ، حيث شاركت هذه الفرقة في البرنامج في دورته الثانية ، وكان من بين اعضائها ، عازف القانون فالح حسن وعازف الكمان علي طالب ، ومن الشخصيات الفنية التي برزت من خلال هذا البرنامج ، عازف الكيتار الفنان بيرج الذي شارك فيما بعد في العزف ضمن الفرقة الموسيقية لكاظم الساهر عندما قدم كاظم عروضه الغنائيه في لبنان ، وكذلك الفنان علي جوده في الغناء ، وقد نجح علي جوده وتميز في البرنامج ، وكان وقتها طالباً في معهد الفنون الجميله في البصرة ، حقيقةً ان البرنامج حقق نجاحاً منقطع النظير.
عندما انشأ تلفزيون البصرة كان مرتبطاً بتلفزيون بغداد ولكن لساعات قليلة ، في العام 1976 صدر أمر بتشكيل فرقة البصرة للفنون الشعبية وذلك لتوسيع الأهتمام بالتراث الموجود في البصرة ، حيث كانت فرقة بغداد للفنون الشعبية تقدم جزء من تراث البصرة وتراث كركوك والموصل ، بعدها اخذ المسؤولون عن الحركة الفنية الأهتمام بالتراث ، فطلبوا ان يوسعون بالفرق المتخصصة ضمن كافة المحافظات ومن ضمنها فرقة البصرة للفنون الشعبية وهكذا أنشأت هذه الفرقة وعينت انا شخصياً رئيساً لها ، كان معي في ذلك الوقت المخرج المتميز المرحوم طالب جبار والمخرج قصي البصري ومجموعة من العازفين وليد لويس ، لويس توماس ، فؤاد ابراهيم ، أبو ناظم الذي كان مسؤولاً عن الجانب التراثي ، حيث عمل على أستدعاء مجموعة من الراقصين والراقصات من الذين يتعاملون مع فن الهيوة ، فن البصرة التراثي.
من خلال هذه الفرقة تحققت لنا سفرات الى خارج العراق ففي سنة 1976 سافرنا الى تونس ، قدمنا من خلال الفرقة البصرية للفنون الشعبية على مسارح تونس الفن البصري الاصيل ، كأيقاع الخشابة وايقاعات والليوة والهيوة ، وبعد ان رجعنا الى العراق وصلتنا دعوة من الاتحاد السوفيتي ، قدمنا على مسارح موسكو ثم إلى جمهورية اوكرانيا ، وكان هذا جزء مما قامت به المؤسسات في الزمن السابق للحفاظ على التراث من ضمنها أنشاء دار الأزياء العراقية ومعهد الدراسات النغمية التي تهتم بالالات الموسيقية التراثية كالقانون والجوزة وفن المقام العراقي وإنشاءها فرقة الفنون الشعبية في البصرة ، والفرقة الشعبية لمحافظة كركوك والموصل.
استقبلنا في البصرة العديد من الفرق الفنية منها فرقة شكسبير المسرحية والفرق الصينية للفنون الشعبية وفرقة بلغارية اضافة إلى المطربين العرب منهم وديع الصافي ، سميرة توفيق ، فهد بلان ، وعدد من المطربين والفرق الفنية ، فرقة الفنون الشعبية من كازاخستان ، وفي كل هذه العروض نجد المجتمع البصري يقبل عليها بشكل كبير لان المجتمع البصري ذواق لكل الفنون وخاصة بالفترات السابقة كان الانسان ينهل من الثقافة في مجال الكتابة والاداب المقروءه والمنظوره ، اضافة إلى حضوره المسرحيات ، ونحن كمحافظة البصرة كانت لنا الرياده في ¬مجال فن الاوبريت حيث قدمت ثلاث اوبريتات من خلال الفرق البصرية كان اولها في سنة 76 ، اوبريت بيدار الخير الحان حميد البصري واوبريت المطرقة طالب غالي واوبريت نيران السلف قمت انا بوضع الحانه وقدمته فرقة الموانىء ، كانت البصرة لها مجال رائد في فن الاوبريت بشكله العلمي وبشكله الناضج ، حتى هذه اللحظة لم أرى في بغداد او في المحافظات الاخرى الشكل الذي قدمته الفرق البصرية لما يتضمنه الاوبريت من تمثيل وغناء ، وأنما مجرد ان يحضرون مجاميع انشادية ويعتبرونة اوبريت وهذا هو الفرق عندنا في فن الاوبريت.
هذا ما حدثنا عنه الفنان والرائد الموسيقي مجيد العلي
توقف الفنان مجيد العلي عن العمل في تلفزيزن البصرة بسبب اشتداد المعارك في الجبهه الجنوبيه أثناء الحرب الايرانية العراقية ، والتي اندلعت في أيلول/سبتمبر/1980 ، مما ارغمته ضروف الحرب الى تحويل نشاطه الى دائرة النشاط المدرسي في الديوانيه ، وفي العام 1988 عاد الى البصرة وعين محاضر في معهد الفنون الجميلة ، وفي بداية العام 2003 صدر أمر تعينه كخبير في كلية الفنون الجميله - قسم الفنون الموسيقية - وليدرس ايضاً (ماده التراث الموسيقي ، وآلة العود ، والانشاد ، والتذوق الموسيقي) أضافة الى تكليفه برئاسه فرقة كلية الفنون الجميله ، وقد قدم طلاب القسم العديد من النشاطات التي كان يدربهم عليها ومنها اغنية "دنّي البلم" (كلمات سلمان الجميلي والحان الفنان مجيد العلي) واغنية البصرة ( من الحانه وكلماته) ، وهذه الاغنيتين كان قد وضع الحانهاعلى ايقاع الخشابه واستعان بكاسور الفرقة البصرية للفنون الشعبيه عندما قدموها طلاب الكلية في الحفل السنوي.
لدى الفنان مجيد العلي موهبة أخرى اضافة لموهبته الموسيقية المتقدمة ، فهو رسام بالفطرة ، كان يتأمل اللوحات والرسومات بحب وولع ليرصد مواطن الجمال في الاشياء ، وفي التسعينيات من القرن المنصرم شعر برغبة كبيرة في ان يخط ماترسمه مخيلته من صور انسانيه جميله على سقف غرفته الذي نالت منه رطوبه امطار الشتاء ، وعندما عرضه على اساتذه قسم التشكيل في كلية الفنون الجميله ومنهم الفنان التشكيلي جاسم الفضل وصالح كريم .. شجعوه على المواصله لانه فنان بالفطرة ، وقد امدوه ببعض التفاصيل والقياسات التي تساعده في أتقان فن الرسم .. وزياده على ذلك صار الفنان مجيد العلي يحضر دروس الرسم في الكلية عند هؤلاء الاساتذه للاستزاده في المعلومات..بعدها بدأ يرسم وتخصص في فن البورتريت.
حصل الفنان مجيد العلي على جائزة البصرة السنوية للابداع وذلك سنة 2002 ، كذلك حصل على العديد من الشهادات التقديرية وكتب الشكر والتقدير من وزارة الثقافه العراقية ووزارة التربيه /قسم النشاط المدرسي ومن محافظ البصرة ومحافظ بابل ، وشكر وتقدير من عمادة كلية الفنون الجميلة لجهوده المثمرة في مجال التدريس والنشاطات في الكلية.
لقد أسس الفنان مجيد العلي العديد من الفرق الموسيقية ، منها
فرقة الاتحاد 1953 ، فرقة الميناء 1960 ، فرقة الموانئ 1971 ، فرقة نقابة الفنانين 1974 ، وفرقة الفنون الشعبية 1976، بالإضافة إلى أعماله الفنية على نطاق الإذاعة والتلفزيون في البصرة وبغداد ، عزف لكل من وديع الصافي وسميرة توفيق ونزهت يونس وجماله سركيس وليلى نظمي وأنصاف منير ورافق الملحن احمد الحفناوي في العمل في بعض الحفلات التي كانوا يحيونها في البصرة ، وهو من القلائل الذين مازالوا يتواصلون في الإبداع بعد رحيل معظم أبناء جيله او انزوائهم لأسباب شتى.. والملحن العلي هو خلاصة تجربة اكثر من نصف قرن في عالم الموسيقى ، ارتبط بصلات حميمة مع الفنانين العراقيين لأجيال مختلفة من ناظم الغزالي وسليمة مراد الى ياس خضر وسعدون جابر وفاضل عواد وفؤاد سالم و أمل خضير وغيرهم.
ومما يحسب للفنان الرائد مجيد العلي أستمراريتة بالعطاء الفني وتواصله مع الفضاء الثقافي والفني في البلد على الرغم من عوارض ظروفه الصحية , وقد أتاحت تكنلوجيا الاتصالات وخاصة الانترنت الفرصة لأدامة نَسغهِ الابداعي وتغذيته من نهر الأبداع المتجذر في تربة روحه التي ترنو الى أفق ابداعي لاينقطع , وتواصله مع الفنانين والاصدقاء ، ومما يحسب له أيضا دعمه لموقع الوتر السابع الذي تشرف بحضوره البهي على صفحاته وعلى استشاراته التي كانت مصدر عون لهيئة التحرير . وكذلك أنكبابه على تلحين مجموعة من الألحان الجديدة المتنوعة بين ألحان بروح بصرية وبين الحان لموشحات ، ولاول مرة ، وعلى ايقاع الخشابة ,وبناءاً على طلب السيدة فاطمة الظاهر وقد قام بتلحين مجموعة من الموشحات قدمها هدية الى موقع الوتر السابع والى السيدة فاطمة الظاهر لتؤديها بصوتها لأغناء المكتبة الموسيقية العراقية ومكتبة الفنان نفسه ... ابداع متواصل من معين لاينضب.
رحل الموسيقار مجيد العلي في نيسان / 2014 .. لروحة السلام والرحمة الواسعة والفردوس الاعلى
الفنان مجيد العلي - اغنيات في حب البصرة
يا بصرة الحب
bibliography - قوائم بأعمال الفنان مجيد العلي الموسيقية والغنائيه والادارية