كتابة : عبداللطيف المعاضيدي
نرجس شوقي مطربة عربية مصرية اصولها شامية (لبنان وسوريا) حلت في ربوع العراق وبالتحديد عام 1947 غنت باللهجة البغدادية حتى انها اصبحت بنت البلد برعت في اداءها الاغاني البغدادية التي شاعت حينها في خمسينات القرن الماضي وسميت بالاغاني البغدادية وبالذات العاطفية التي يشوبها حزن المجتمع. والعائلة العراقية بالخصوص وكان نجاحها هذا صحيحا لكونها تملك حنجرة تساعدها على هذا النوع من الاغاني ولم تتجه لغناء المقام او الابوذية فهكذا قربت وقاربت صوتها وغنائها من احساس الجمهور العراقي.
حتى اواخر الستينيات وبداية السبعينيات كانت نرجس شوقي تتردد على دار الاذاعة العراقية وكانت صورتها الحزينة مطابقة لصوتها. لم يكن صوتها الغريب في بغداد وطريقها سهلا مع الاصوات اللامعة حينها امثال سليمة مراد/ ونهاوند/ وعفيفة اسكندر/ ووحيدة خليل.. وثم مائدة نزهت/ ولميعة توفيق/ وزهور حسين/ وهكذا اعتبرت قفزة النهضة الفنية في العراق كما وصفها الموسيقار محمد عبدالوهاب ببلد الفن وهذه النهضة شملت الموسيقى والشعر اضافة الى النهضة الثقافية والعلمية والاجتماعية كافة وخاصة فترة دخول التلفزيون للعراق حيث كان له تأثير وامتداد للاصوات الغنائية داخل وخارج العراق واولهم سفير الفن الغنائي ناظم الغزالي.
بدأت رحلة المطربة نرجس شوقي من القاهرة في شارع محمد علي وثم هاجرت الى لبنان ومنها الى بغداد عام 1947 حيث بدأت في الاربعينيات انتقالة كبرى خاصة في مفهوم الحياة الفنية والثقافية انذاك وغنت في ملاهي بغداد. تعرفت على فنان مصري مغمور يعمل في مقهى صغيرة علىسفح قلعة كركوك (محلة القلعة) ويغني ليلا في نوادي شركة النفط العراقية المعروفة A.B.C وهي نوادي افتتحها الانكليز لعمال شركة النفط. وبقيا في لواء كركوك انذاك حيث جمعا تحويشة العمر وغادرا العراق للقاهرة وانتجا فيلم "الصيت ولا الغنى" وكانت من بطولتيهما ولكون هذا الفنان المغمور يملك صوتا شجيا وجميلا فقد بدأ اسمه يلمع باسم الفنان طلب واسمه محمد عبدالمطلب ،غير ان الفيلم لم يحقق شهرة واعتبر فلما فاشلا وعند هذا الحد ترك محمد عبدالمطلب الفنانة نرجس شوقي وطلقها بعد ان استحوذ على كل ما تملك ولطلاقها قصة طويلة مؤلمة؟؟
عادت نرجس الى بغداد عام 1949 التي احتضنتها واحبتها وكان لها عدد كبير من المعجبين وبدأت من الصفر وهي تزاحم الاصوات الكبيرة حيث غنت الاغاني العراقية باحترافية كبيرة وبلهجة بغدادية دون الرجوع الى لكنتها المصرية.. لحن لها الملحن العراقي اليهودي داود الكويتي ورضا علي وناظم نعيم حيث تزوجت منه لفترة والظاهر ان قرار عودتها الى بغداد كان لسبب الزواج وكذلك غنت القصائد الشعرية ومنها ياجيرة البان ولحنها لها الملحن يحيى عبدالقادر او يحيى حمدي فنيا حيث كان الملحن يحيى حمدي يحفظها القصيدة على مدى ايام لكونها كانت امية لا تقرأ ولا تكتب ومن اشهر اغانيها مومني كل الصوج من هلي والله/ على لحن الهجع/ وسلم عليه/ هاي خدود لولاله/ ومنو يدري وكثير من الاغاني ولعل اشهرها شدعي عليك ياللي حركت كلبي/ ياحلو كلي شبدلك كلي.. وغيرها.
بدأت حياة الغربة والظلم والاجحاف ملازمة لحياة هذه الفنانة بدءا من زواجها من الفنان فوزي منيب زوج الفنانة ماري منيب اشهر من مثلت دور الحماة في السينما المصرية واسمها ماري حبيب نصرالله.
التي ابدلت اسمها الى امينة عبدالسلام بعد زواجها من المحامي بدري فهمي عبد السلام، حيث تركها الفنان فوزي منيب المشهور بربري مصر العصري لكونها ذات بشرة سمراء داكنة وكان زواجهم عام 1931 وهو اول طلاق في حياة نرجس شوقي يقول المذيع حافظ القباني عنها
ان نرجس امراة في داخلها تزور الائمة والمراقد المقدسة توزع المال على الفقراء والمحتاجين وكانت بسيطة غاية البساطة في مأكلها وملبسها وهندامها رغم انها عاشت اجواء الاضواء والحفلات بين مجتمع بهيج بالمظاهر الفنطازية والبهرجة ولكن همومها كانت اقوى من ان تنسيها ايام الغربة والظلم والجحود التي عاشتها.
كتب لها اشهر شعراء الاغنية حينها امثال الشاعر عبدالكريم العلاف وجبوري النجار وسيف الدين ولائي الذي كتب لها اغنية تلائم وتطابق حياتها الخاصة وهي اغنية شدعي عليك.. والتي تقول:
شدعي عليك ياللي حركت كلبي
كون ابلوتي يبليك ربي
سهران ليلك مهدوم حيلك
تتحسر ولفك ما يجيلك
اتمنى اشوفك مثل حالي
تتسلى بونينك
حتى تعرف اشلون
يالي خنت بي..
وربما كانت الكلمات مطابقة لحياة الشاعر سيف الدين ولائي ملاحظ بلدية الكاظمية الذي سافر خارج العراق ليموت وحيدا غريبا ويدفن في مقبرة الغرباء في دمشق وهكذا تركت نرجس شوقي بغداد في بداية السبعينيات لتختفي من عالم الاضواء حاملة همومها في صدرها.. وتذهب في عالم النسيان وما زال قلة من محبي الموسيقى والغناء يتردد صدى اغانيها في ذاكرتهم المتعبة
من اشهر اغنياتها اغنية " شدعيلك يلي حركت قلبي" من الحان الفنان رضا علي وغنتها في اواخر خمسنيات القرن المنصرم