حكايه لم تكتمل فصولها ... حكاية الفنان والعازف علي حمدان - الحلقة الثالثه

2016-05-17

حكايه لم تكتمل فصولها ... حكاية الفنان والعازف علي حمدان - الحلقة الثالثه

الحلقة ما قبل الاخيرة


بعد معسكر القنيطرة بفترة ليست بالبعيدة قامت منظمة الطلائع كعادتها بإهداء الأطفال رحلة إلى إحدى الدول العربية وكان نصيب علي كما كان يحلم رحلة إلى مصر تلك الجنة التي يحلم كل فنان بزيارتها ،ويا لفرحة علي عندما جاء الخبر الى النادي عن طريق فرع اللاذقية أن اسمه بين الأسماء التي ستحظى بتلك الرحلة الجميلة،وعند هذا المفصل بالذات كتب لعلي أن تخلد بعض معزوفاته ليبقى قدوة للقادم من الأجيال في تعبه وجده وكفاحه ومتابعته لعمله وإخلاصه له حدث ذلك عندما ألهم الله سبحانه وتعالى أستاذ علي الأستاذ فهمي الشغري بأن نقوم بتصوير بعض المعزوفات تصوير فيديو وننسخها على مجموعة سيديات ويأخذها علي معه ليهديها للناس ولمن سيعجبون به في مصر وهذا ما حدث فعلا وبدأت الترتيبات للسفر.

وأتى موعد السفر وانطلقنا الى دمشق وتجمع الوفد الذي سيسافر الى مصر والذي يضم أطفالا من كل محافظات سورية ومشرفين أيضا من أغلبية المحافظات وقد كنت أنا من بين المشرفين في هذا الوفد الذي يضم نخبة أطفال سورية بمجالات مختلفة علمية وفنية ودعنا أنا وعلي حبيبتي آيه وزوجي وقال علي لآيه لا تحزني سأجلب لك معي هدايا جميلة..في هذه اللحظة وانا اكتب فأن دموعي هي التي تكتب لكم لانني اسمع صوت علي يرن بأذني وهو يخاطب أخته ألا تحزن لأنه سيسافر من دونها وأنه سيجلب لها الهدايا التي تحبها عندما كنا في مصر لو استطاع علي أن يحمل مصر كلها ويقدمها هدية لأخته آية لفعل .

عندما ودعناهم بالمطار حملت معي الأورغ الذي أصر علي على اصطحابه هو الوحيد الذي اصطحب آلته معه فحملته على كتفي وآه وآه وآه كم اشتاق ذاك الكتف لذاك الثقل عندما كنت أحمل عليه الأورغ لعلي وأرافقه أينما ذهب .

ودع بعضنا البعض وركب الجميع الطائرة الكل يعرف بعضهم البعض تقريبا فكلهم كانوا بالقنيطرة ولكن في مصر توطدت العلاقات أكثر وكل مشرف أخذ مجموعة من الأطفال بحيث يكون مسؤولا عنهم بكل شي، مجموعة علي كانت تضم ( إيليا و أماني ورهف وبتول وعلي )

هؤلاء الخمسة كانوا أطفالي أنا وبقوا أطفالي حتى أن رهف ما زالت لغاية اليوم تتواصل معي وتناديني ماما الثانية ،وأقلعت الطائرة كان كل همي مراقبة ردة فعل علي بكل شيئ كان سعيدا عندما حلقت الطائرة راح يحدثني عن أحلامه بأن يكون رائد فضاء لكم كنت تهوى العلو والتحليق عاليا يا حبيبي لم تكن تدرك أن روحك هي حلقت ووصلت وأنت ما زلت صبيا الى مرحلة الصفاء الروحي التي يتمنى كل انسان الوصول اليها ،عندما رأى علي الغيوم وهو ينظر اليها من فوقها وكأن بحر غيوم تحته أخذ مني الكاميرا وراح يصور هذا المشهد الذي أسعده ،طلب مني وقتها زيارة غرفة كابتن الطائرة فقلت له أني سأعرض طلبك على غيري من المشرفين وقررنا أن يزور كل الأطفال غرفة الكابتن ولكنْ كلُّ على حدا وهذا ما حدث كانت تجربة جميلة ومفيدة للأطفال والتقطوا الصور مع كابتن الطائرة ،كان ركاب الطائرة أنذاك محظوظين برحلتهم التي تجمعهم مع هؤلاء الأطفال الواعدين وقد عبروا عن سعادتهم حين عرّفهم قائد وفدنا أنهم بصحبة مجموعة من رواد سورية على مستوى القطر وكم كانوا رائعين هؤلاء الركاب عندما وقفوا جميعا وصفقوا للأطفال وحيوهم بسعادة وحب وكم كان شعور الأطفال بالفخر لا يوصف على إثر ذاك التصرف اللبق والجميل .

عندما حطت الطائرة أرض مصر كان شعور رائع مصر هذه حلم كل انسان مصر الحضارة والجمال والفن ،المضحك بالأمر ان الأطفال عندما دخلوا مطار القاهرة راح الجميع يتكلم باللهجة المصرية بفعل لا إرادي فضحكنا نحن المشرفين عليهم وقلنا لهم انقلب لسانكم ولم يمضِ على وجودكم دقائق فكيف بعد عشرة أيام حيث كانت مدة الرحلة التي أقرتها منظمة الطلائع .

كان يرافق الوفد مجموعة من المشرفين المصريين أيضا تابعين للكشافة المصرية وأول مكان ذهب الأطفال اليه هو مطعم حيث تناولوا فيه طعامهم وبعدها انطلقنا الى بور سعيد كان الأطفال متعبين فعلم كل منهم مكان اقامته بالفندق الذي أنزلونا فيه. شارك علي بغرفته صديقه ايليا وهو أيضا رائد بالموسيقى ومضت أيام بور سعيد راح الأطفال يستعرضون مواهبهم خلال سهراتها وفي إحدى السهرات حيث كان علي يعزف ويشجي من يسمعه ، وهذا كان في صالة مفتوحة في الطابق الثاني.

وبعد أن أنهى علي وصلته طلبت مني إحدَ الصغيرات أن أرافقها لخارج الصالة فذهبت معها ونزلنا الدرج وإذ بسيدة تمشي وتخاطب نفسها فتقدمت مني وحيتني وسألت عن مصدر صوت الموسيقى الذي كان منذ قليل وأسمتها باسم أغنية فريد الأطرش (بنادي عليه) وقد كانت تتكلم واصفة انها لم تسمع هذه الموسيقى باحساس راقي مثل هذا الإحساس ،لم أقل لها حينها أني أم ذاك الملاك الذي تتكلمين عليه واكتفيت بأن قلت لها هل تحبين رؤية من كان يعزف فأجابت بكل تأكيد نعم فأرسلت بطلب علي وأتى اليها ويا لدهشتها عندما رأت طفلا بعمر الحاديةعشر هو من يقف أمامها فقبلته وشكرته لهذا الإحساس العالي والراقي وطلبت مني أن تجري معه لقائا اذاعيا حيث عرفتنا عن نفسها أنها مذيعة بإحدى القنوات المصرية فوافقنا بعد أن عرفتها بنفسي وأجرت حينها اللقاء مع علي ومع مجموعة من الأطفال وراحت تثني على موهبة علي وتشجعني أن أقوم بدعمه أكثر لأنه يستحق الرعاية والدعم

 

.

وأهداها علي إحدى السيديات التي أحضرها معه وقد كانت فرحتها كبيرة ولا توصف بهذه الهدية وأجمل شيئ أحبه علي أنهم كانوا يطلبون توقيعه على السيدي كان علي يمزح ويضحك ويقول سأصدق نفسي بعد قليل أني نجم ،يا لتواضعك الذي أكرمك الله به سبحانه وتعالى رحلت يا حبيببي وأنت تقول لم أفعل بعد شيئ يستحق تكريمي كل الذي قمت بانجازه وأنت لم تبلغ السابعة عشر من عمرك بعد وانت تقول لم أفعل شيئا بعد كان الله يكرمك من فضله وكأنه أراد أن يقول للناس من خلالك أن سنين العمر تقاس بالأفعال والأعمال والجهد الحثيث وليس بعددها وهذا ماكنته أنت علي رحمك الله وأدخلك فسيح جنانه .

تتالت الأيام زار الأطفال أماكن عديدة في مصر أذكر منها الفيوم وريف الفيوم والإسكندرية وقلعة قايت باي ومكتبة الإسكندرية والمحلة ومعمل الغزل فيها وابو قير وقناة السويس وذهبوا بال (معدية) كما أسموها لنا الى بور فؤاد وحديقة الحيوانات الجميلة التي سعد الأطفال فيها كثيرا .

كان أهم مكان ذهبوا اليه الاطفال على الإطلاق هو الأهرامات حيث راحوا يتراكضون انبهارا وفرحا بعظمتها

هناك صورة التقطت لعلي ليست بالكاميراالخاصة بي عندما رأيتها لا أعلم ما هو الإحساس الذي انتابني وأسميتها فورا مسافر الى الماضي وهي الصورة التي اختتم بها أصدقاء علي فيما بعد صوره في فيلم التأبين الذي لخص حياته وهي الصورة التي يكون فيها علي ماشيا بمحاذاة الأهرام وظهره للكاميرا تسلم اليد التي التقطت له تلك الصورة التي لها معنى كبير ودلالةعلى مسيرته القصيرة في هذه الحياة القصيرة لمن يدرك هذا .

هناك جملة سمعتها في مصر لأحد المهتمين أثناء تقليد علي القلائد تعبيرا عن إعجابهم فيه وهي (الواد ده حرام يبئى كده لازم حد كبير يتبناه )سعدت أثناءها بهذه العبارة ولكني كنت كلي ثقة بأن الله سبحانه وله الحمد هو من يرعاه وهو أكبر الجميع .

كان علي أينما ذهب في تلك الرحلة يلقى الإعجاب والتشجيع ليس فقط لحسه الموسيقي بل للباقته وأخلاقه وحسن تعامله مع الآخرين لا أنساه عندما طلب صديقه آلة الأورغ لكي يقدم معزوفة من معزوفاته أثناء إحدى السهرات حيث كان علي الوحيد الذي اصطحب آلته معه فلم يتردد علي وأعطاه الأورغ ليعزف عليه ، لم يكن يوما يتردد في تقديم المساعدة ان استطاعها لأحد في أي شيئ ولو على حسابه.

انتهت رحلة مصر لخصت  فيها أهم النقاط ولكن نسيت أن أقول أن من الأماكن التي زرناها أيضا هو كنيسة لم أعد أذكر أين بالضبط يومها استوقفني هذا الموقف لما يتكرر معي من أحداث تتعلق بالسيدة العذراء عليها السلام وقفت في بابها وناجيت الله عز وجل أن يحمي علي ويرفعه لأعلى الدرجات وقرأت الفاتحة وهكذا فعل علي بدون تردد ومن دون أن أطلب منه هذا .

عندما عدنا ارتحنا من السفر بضعة أيام وعدنا للجو الطبيعي من تدريب ومتابعة للموسيقى في النادي الموسيقي أراد أستاذ علي أن يلفت نظره الى ضرورة الاهتمام بالموسيقى الغربية أكثر وكان قد اتقن عدة معزوفات غربية ثقيلة ولكنه لم يكن يهواها وكان يقول لي لا أريد معزوفات غربية أريد الشرقي فقط ولكن أستاذه كان يصر على موقفه لأن هذا النوع سيقويه أكثر ولكنه كان يستسلم عندما يرى أن علياً لا يتجاوب معه كثيرا فيضحك ويقول له لا أعلم لماذا أنت بالذات أنزل عند رغبتك ربما لما كان يلمسه فعلا من رقي احساسه بالشرقي حتى أن معزوفة توتة لفريد الأطرش والتي عزفها في النادي كثيرون غيره صارت يطلقون عليها الأساتذة وأولهم مدام ملك دنورة أستاذة علي بالمرحلة الأولى لتعلمه الموسيقى اسم توتة علي بسبب ذاك الإحساس الذي أضافه علي اليها ،كما أن أحد الأساتذة قال لست معجبا كثيرا بفريد الأطرش وهذا رأيه طبعا ولكني أصبحت أحب أعماله حين يقدمها علي وهذه شهادة نعتز بها أنا وعلي كثيرا .

في هذه الأثناءأصبح علي في الصف الأول الإعدادي وهذا يعني انتقاله من الطلائع الى الشبيبة ولكنه ظل مخلصا لتلك المنظمة وهي بالمقابل ظلت مخلصة له لا تنساه وتقوم بدعوته لأي نشاط تقيمه ولا يتردد علي بالتلبية أبدا وفي هذه الأثناء أيضا كانت تجري في اللاذقية افتتاح لمركز أمواج مسار تحت رعاية السيدة أسماء الأسد طلبوا أثنائها مجموعة من أطفال رواد على مستوى القطر في مجالات مختلفة المشاركة بهذا الإفتتاح وكان علي من بينهم ويومها طلبت منه السيدة أسماء أن يسمعها شيئا من عزفه فأسمعها لونغة شهناز وأعجبت به كثيرا وشجعته على المثابرة والإستمرار يومها لفت علي انتباه كل الموجودين وتصدرت صوره الصحف مع السيدة أسماء الاسد

فوجئت في صباح اليوم التالي بتلفون يطلب مني اجراء مقابلة تلفزيونية على قناة الجزيرة للأطفال حينها وافقت واعطيتهم موعدا ، ولكن الملفت بالموضوع أن علياً لم يقل لي أنهم أخذوا رقم هاتفي منه وأنهم قالوا له أننا نريدك أن تظهر ببرنامجنا فعلي كما قلت مرارا لم يكن يهتم بهذه الأمور كغيره ويعتبرها حدثا عاديا لا يقف عنده ليجعله مدعاة للتباهي والغرور ، صور علي اللقاء وقد كان قسما منه في النادي والقسم الآخر في البيت وعندي سيدي لهذا اللقاء الجميل فهو بين كنوز علي التي تركها لنا ،وتتالت الأيام وما زال علي يتابع تدريباته ويصبح أقوى وأعمق إدراكا وخصوصا أنه بالإضافة للعزف كان يتلقى دروسا بالصولفيج والتي كانت تأخذ منه نفس الإهتمام وها هو علي يدخل بمرحلة السماعي حيث أصبح قادرا على أن يسمع أي أغنية ويقوم بعزفها فكان أستاذه يعطيه اسم الأغنية التي يريدها ويذهب علي الى البيت ليسمعها جيدا ويقوم بعزفها وتنويتها ومن ثم يستمع الأستاذ له ويعطي ملاحظاته كم كنت أكون سعيدة عندما يضج بيتي بأغاني عبد الحليم وأم كلثوم وأسمهان وغيرهم ويقوم علي بعزفها لي فيما بعد ولكن لم يكتب الله لعلي أن يترك لنا إلا ما رأيتيه وسمعتيه من معزوفات على صفحته والحمد لله سأذكرك بمعزوفة في يوم وليلة لوردة بالنسبة للموسيقى الأولى فهي نوته أما المقطع الأول الذي عزفه علي فهو سماعي اتقنه بنفسه بعد سماعه للأغنية.

في آخر أيام علي كان مشغولا بأغنية ألف ليلة وليلة لأم كلثوم كانت رائعة كان من عادة علي أن يقوم بالتسجيل على موبايله عندما يعزف شيئا ويعجب به وقد تمنيت أن تكون هذه المعزوفة إحدى تسجيلاته ولكن اتضح فيما بعد أن كثيرا من التسجيلات كانت على كرت ذاكرة واختفى ولم أراه وما زال عندي أمل أني سأجده خصوصا وأن هذا الكرت يحتوي على العملين الذي قام علي بتلحينهما بنفسه اغنية خفيفة كتبتها بنفسي له في عيد ميلاده واغنية وطنية قامت الشاعرة ثراء الرومي بكتابتها له وأيضا قام بتلحينها وعرض أعماله في درس الصولفيج أمام أستاذه وأمام أصدقائه وامام الأهالي الموجودين بالنادي بصحبة أولادهم حيث كنا نرافق أولادنا الى النادي ولاقى حينها علي الإستحسان من استاذه وطلب من الأولاد أن يقوموا بهذه التجربة مثل علي يومها قال علي لي أحس أن هذين اللحنين هما من أهم ما قدمته لأنهما من تأليفي فسررت كثيرا وقلت له ستكون بإذن الله أهم موسيقاربالعالم ولكن حكمة الله شائت بأن يقف علي عند ذاك الحد والحمد لله .

تتالت الأيام والشهور وتقدم علي للريادة على مستوى القطر بالشبيبة الأولى في مشتى الحلو والثانية بالرقة بالنسبة لمشتى الحلو وهي تقع في طرطوس كانت عبارة عن ملتقى يضم روادا بالشبيبة وكان علي أصغرهم لأن المتقدمين كان أغلبهم من المرحلة الثانوية وعلي والبعض القليل الآخر كانوا بالمرحلة الإعدادية ولكنه نال الريادة وتفوق عليهم فأخذ لقب رائد على الرواد.

أيضا تعرف علي خلال هذا الملتقى بأصدقاء جدد وراحت رقعة معارفه تتوسع حتى أحاطت بكل محافظات القطر ، أما في الرقة فأخذ الريادة بجدارة حيث نال لقب رائد على مستوى القطر بدرجة امتياز سلمه الشهادة يومها الدكتور الموسيقي جمال قبش وقالوا له أن درجة الإمتياز لا تعطى لأي كان ، كان أحد أعضاء اللجنة حينها الأستاذ نزيه أسعد وهو مدرس في المعهد العالي للموسيقا قال لعلي حينها أكمل دراستك الثانوية والتحق بالمعهد العالي للموسيقا وهذه أصلا كانت آخر رغبة وقف عندها علي من قبل سنوات وراح يعمل ويعمل للوصول اليها ،أثناء وجودنا بالرقة أتت صديقة علي وفاء الرائدة بالمسرح لزيارتنا بالمعسكر بصحبة أهلها فهي لم تشارك بهذه المسابقة ولكن عندما علمت اننا بالرقة اصطحبت أهلها وأتت لزيارتنا وتعارفنا على بعض أنا وأمها ودعوتهم لزيارتنا باللاذقية وبعد انتهاء المعسكر وعودتنا وفي الصيف اتصلوا بنا فعلا واتت وفاء وأمها وإخوتها الثلاثة لزيارتنا وقضوا عندنا أسبوعاً كان علي ووفاء سعداء جدا بهذه الزيارة وصورة وفاء هي من الصور التي تضمها محفظة علي لهذا اليوم .

كانت مشاريع علي متتالية وسريعة فالله سبحانه وتعالى هو مدبر الأمور وهو يكتب الأعمار والأعمال وهو الذي يغلق الأبواب ويفتحها لمن يشاء سبحانه لذلك لم يمضِ على علي وقت طويل حين كان يجلس أمام شاشة التلفزيون هو وآيه وإذ به يناديني (ماما ماما تعالي أسرعي وشاهدي معنا هذا البرنامج) ، فجئت مسرعة لأني أعلم أنّ علياً لن يلفت انتباهه أي شئ عادي وقلت له ما هو هذا البرنامج ، كان برنامج مسابقات للعزف و الغناء على قناة أردنية جديدة اتضح لنا فيما بعد أن هذا البرنامج لمجرد مساعدتها بالإنتشار حيث أنهم أكملوا المرحلة الأولى والثانية كانت حصريا لأطفال الأردن وأيضا لم يكملوها وتفاجئنا أن تلك القناة وبعد أن انطلقت قد غيرت نمط برامجها نهائيا و اتجهت اتجاه آخر تماما ،كل هذا الكلام لم يكن يعنينا فنحن عندما شاركنا الأولاد بالمسابقة لم نكن نفكر بالنتيجة همنا الأول كان صقل موهبة علي وانتشاره في الوطن العربي ثانيا وهذا ما حدث ضمن اطار من تسنى له مشاهدة تلك القناة ، عندما ناداني علي لمشاهدة البرنامج أعجبت بالأطفال وبالفكرة فنظرنا أنا وعلي لبعض نظرة من يعرف ما يفكربه كل واحد منا فنظرت آيه الينا ضاحكة وقالت :لا تقولوا لي أنكم ستذهبون الى الأردن ! فقلت لها سنذهب وهذه المرة سنأخذك معنا لأن المسابقة على حسابنا الخاص ونستطيع أن نفعل ما نريد لذلك شجعي نفسك وتدربي لأنك ستقدمين معزوفة يومها اختارت آيه معزوفة لفيروز بعنوان سألوني الناس وكانت جميلة ومتألقة ولكنها تعرف أن الهدف الرئيسي من السفر هوعلي لا أحد يصدق حين أقول أن آيه لم يكن يعنيها بالموضوع إلا نجاح علي ومن جهة أخرى كانت الموسيقى بالنسبة لآية هواية وثقافة هذا ما صارت تقوله حين وعيت وأصبحت تستطيع التعبير عن رأيها فخلال مراحل دراستها للموسيقى كثيرا ما كانت تريد الإنسحاب والمشاركة بفرقة رقص الباليه والتي وبالرغم من أني مغرمة بهذا النوع من الفنون إلا أني لا أقتنع أن في بلادنا تجربة ناجحة لهذا نزلت حينها عند رغبتها والحقتها بفرقة رقص صالونات وهو رقص راقي وجميل ولكن بشرط أن تتابع بالموسيقى فوافقت آية وكان ماكان من مشاركات وحفلات رائعة ،أردت أن أقول لك هذا الكلام عن قصد لأني أحيانا ومن لا يعرفونا ويعرفون علياً جيدا كانوا يتهموني بأني لا أنصف آيه وكم كنت أتألم من هذا التعليق مخافة أن يدخل لذهن آيه وتصدقه ولكن الله شاهد وكفى به شهيدا أن كل حياة علي بما فيهم أنا وأبوه وأخته هي ترتيبات من رب العالمين سبحانه له الفضل وليس لغيره بما وصل إليه علي أحمده وأشكره .

وبعد هذه المداخلة التي رأيت من الضروري تسليط الضوء عليها،نعود لموضوع مسابقة الأردن والتي كان اسمها (ستار شطار)عندما لمعت الفكرة بذهن علي وبذهني صرت انا و علي و آيه نتابع البرنامج لنتعرف عليه أكثر وأصبحت مصرة على مشاركة علي فيها فأخذت رقم البرنامج وبدأت المحاولة بالإتصال أيام عديدة ولم أستطع التواصل معهم ولكني استمريت بالمحاولة الى أن تم الأمر والحمد لله فتكلمت معهم وعرفتهم بنفسي وبأولادي وأننا من سورية ونرغب المشاركة بالبرنامج فرحبوا بالفكرة سعداء لأن برنامجهم متابع من قبلنا ولكن قالوا لنا أن علينا السفر إلى الأردن فبرنامجهم محصور بالأردن فقط فقلت لهم ليس مشكلة سنأتي بإذن الله إليكم فأعطونا موعد بناء على وقتنا واخترنا العطلة الانتصافية للمدرسة وأخذنا عنوانهم وأرقام هواتف إضافية وأغلقنا الخط وطار علي وآية من الفرح والسرور كل هذا ولم أقل بعد لزوجي لأنه لم يكن متواجدا وعندما أتى قلنا له وكالعادة لم يتردد لحظة وباشر بإخراج جوازات سفر لنا ولأخيه الذي طلب منه أن يرافقنا فزوجي لم يكن باستطاعته السفر معنا ونحن لا نملك جوازات سفر وسفرنا الى مصر كان بجواز جماعي للوفد من قبل منظمة الطلائع ، انتهت تحضيراتنا وغادرنا الى دمشق الى بيت أختي في قطنا ومنها انطلقنا بعون الله الى الأردن والأمل والسعادة تملآن قلب علي أنه سيشارك بمسابقة على مستوى الوطن العربي وراح يقول لي كم أرغب بمسابقة على مستوى العالم فقلت له الله كريم وستتحقق أحلامك بإذن الله ،كان وقتها الجو باردا جدا حتى أني أستطيع القول أنه كان صقيع أول مشهد صادفنا ببداية تحركنا هو قطيع كبير من الخراف والأغنام فتفألت به وأدخلت التفاؤلَ لقلب علي وآيه كان هذا في الصباح الباكر وانطلقت السيارة بنا والبرد يزداد ويشتد وبدأ الثلج بالتساقط كان منظرا جميلا والأولاد سعداء به وسارت السيارة أكثر وأكثر والثلج يتواصل انهمارهِ ، فبدأ السائق الذي يقلنا في تكسي أجرة على خط دمشق والأردن يخفف من سرعته لأن الثلج بدأ يتراكم كثيرا وعرض علينا أن نعود أدراجنا فبهذا الطقس لن نصل إلا بأضعاف الوقت المحدد لوصولنا ناهيك عن المخاطر التي ممكن أن نتعرض لها فقلت له بنظرة للأولاد أخذ بها الموافقة على كلامي : تابع سيرك إن الله معنا ولن تثنينا هذه المخاطر عن المتابعة وأقسم بالله العظيم أن الخوف لم يدخل قلبي للحظة وبقيت في قمة تفاؤلي وأنا أنظر وأولادي من نافذة السيارة إلى عطاء الله وكرمه سبحانه وتعالى ،أما الأولاد كانوا بغاية السعادة لأنهم هذه أول مرة يرون فيها الثلج بهذه الكثافة وهذا الجمال ،ووصلنا لأول نقطة حدودية ودخلنا الأراضي الأردنية وتواصل انهمار الثلج لدرجة أنك أصبحت لا تعرفين أي اتجاه تسلكين ومع هذا ابتسامة علي التي كانت تعطيني الأمان كانت تجعلني أوزعه على من معي بالسيارة إن كانت آيه أو عم أولادي الذي يرافقنا أو السائق وبدأت سرعة السيارة تخف أكثر وأكثر وبأمان الله وعونه وصلنا الى المنطقة التي نقصدها ولكن على الله نستطيع الوصول الى العنوان والله العظيم يا أختي فاطمة أن الثلج كان قد غطى وغمر كل شيئ حولنا وكأنك في صحراء ثلجية خصوصا أن المنطقة التي فيها العنوان ليست سكنية فهي منطقة بث ما أسعفنا أن السائق الذي معنا كان يعرف الطرقات جيدا ومع هذا لم يخلُ الأمر من التوهان وأسوأ ما بالموضوع أن الشبكة صارت خارج التغطية بقينا نحاول ونحاول ونحاول ونعاود الإتصال مرات ومرات ولم أفقد الأمل دقيقة كلما نظرت بوجه علي الذي يشع أملا أستمده منه وأتابع الطريق المحفوف بالمخاطر و أنا أحادث أولادي و أمازحهم وأكثر ما كان يهم علي حتى أنه توتر منه أن أصابعه تجمدت من البرد فيقول لي: ماما عندما نصل يجب أن أدفء يداي جيدا لأنهما تجمدت من البرد وأخاف أن يؤثر هذا على عزفي وأدائي ،فأجيبه لا تخف وكن مطمئنا فكل شيئ سيكون على ما يرام وكما ترغب أما آيه فبدأت تشجعه وتقول له مازحة :الأصوات التي ستأتيني سأعطيك إياها ،فالبرنامج يعتمد على التصويت .

في نهاية صبرنا والحمد لله استطعنا التواصل معهم وعرف منهم السائق العنوان بالضبط واتوا لملاقاتنا واستقبلونا بحرارة ودهشة واستغراب لأنهم لم يتوقعوا قدومنا بهذه الظروف الجوية ،وبعد أن تناولنا شايا ساخنا وتدفئنا وارتاحت أعصاب علي بالنسبة لموضوع أصابعه ،طلبوا منا أن يقوموا بتصوير مشاهد لي وللأولاد عن ظروف قدومنا بهذا الجو المرعب فقلت لهم الرأي الأول والاخير لنجمنا علي ،هم لغاية هذه اللحظة لا يتوقعون من يكون هذا العلي ولن يتوقعوا فبالنسبة لهم طفل مثله مثل البقية سيقدم شيئا يناسب عمره ،فقال علي نعم أعجبتني الفكرة وهكذا قالت آيه ،هل تعلمين لماذا ؟ لأن هذا سيعطيهم الوقت ليلعبوا بالثلج ويتمتعوا به قليلا ، فخرجنا وأعادوا تصويرنا ونحن قادمين بالسيارة وأثناء نزولنا واستقبالهم المميز لعلي وكأنه نجم بلغ الثلاثين أو الأربعين من عمره وأجروا لقاءً معه ومعي ومع آيه كانت مدة هذا التصوير ما يقارب العشر دقائق ليس أكثر وكان لقائا وتصويرا لافتا وجميلا ومعبرا فعلا،وبعدها عدنا لداخل الاستديو الذي سيتم التصوير به سجلوا لآيه معزوفة سألوني الناس كما قلت لك وكانت جميلة ورائعة وبدأ علي يستعد ووقف أمام آلته وكأنه يملك الدنيا ونثر الألماس واللؤلؤ والمرجان بأصابعه تلك حين بدأ بلحن الخلود ذلك المطلع الرائع البديع وأقسم بالله أنهم ذهلوا واقشعرت أبدانهم وتسمروا في أرضهم فما رأوه لم يكن متوقعاً وسلطن علي وغاب عن الموجودين وراح يحلق وكلما رأيته بهذه الحالة كنت أتذكر كلامه حين يقول لي (ماما عندما أعزف أشعر وكأني أطير وأرتفع عن الأرض وكأني أعلوا فوق الناس وأحلق)هذه العبارة كثيرا ما كان يقولها لي ،على فكرة موقف تفاجئهم بعلي ذكرني بموقف جرى معه بالقنيطرة لم أذكره لك وهو أنه بإحدى الحفلات التي كانت تقام يوميا بالمعسكر كان قد حضر رئيس المنظمة أحمدأبو موسى لمشاركة الأطفال بإحدى أمسياتهم ويومها علي لم يكن مشاركا بالحفل فطلبه بالإسم أنه يريده ليسمعه لحن الخلود وحينها لم يكن موجودا فقد كان يلعب مع أصدقائه وانقلب المعسكر يبحث عن علي وكم كانت اوقاتا ممتعة ومضحكة ونحن نبحث عن علي أما أنا فذهبت لغرفته لأحمل الأورغ بينما وجدوه ، وصلنا بالوقت المناسب وربك حميد أن علياً حينها رغب بالعزف و إلا لكان الموقف اختلف المهم كانت المذيعة تنتظر ذلك الذي سيعزف لحن الخلود كما قالوا لها وبلغوها لتقدمه أمام كاميرا التلفزيون وعندما قدم علي ورأته استخفت وقالت له انت ستعزف معزوفة كبيرة كهذه ،لم أحب تعليقها ولكن لا أنا ولا علي تأثرنا بالكلام وتركنا الرد والجواب لإبداع علي وعندما بدأ وراح يعزف والله العظيم رأيتها بأم عيني كيف انتفضت واندهشت وتوسعت عيناها أما علي فغاب عنها وعنا وراح يحلق وكما يقول أصبح يطير ويرتفع عن الأرض ،لهذا قلت لك أن موقفهم باستديو الأردن ذكرني به .

سأعود بك الى الأردن لنكمل انتهينا من التصوير وودعناهم ومشينا بطريق أخطر لأن الظلام قد حلَّ فالنهار مضى ومن المستحيل الإقامة بالأردن وهذا ما وعدت زوجي به وعدنا والله معنا لأنه هو سبحانه من بارك هذه المغامرة الخطرة لتكون صفحة بيضاء ناصعة كبياض الثلج الذي رافقنا بسفرنا ذهابا وايابا . وصلنا البيت بوقت متأخر من الليل وكأن شيئا لم يكن والحمد والشكر لله وفي صباح اليوم التالي كلموني من الأردن أنهم سيبدأون عرض االتصوير الخاص بنا بعد الظهر وجلسنا متسمرين ننتظر وبدأ العرض وقد كان أجمل ما قدمه علي على الإطلاق وكأن هذه الحالة التي كان فيها أعطته حالة خاصة راح يترجمها بعزفه ويا للاسف لم أحصل على التسجيل أخسر عمري وأحصل عليه وهم وعدوني بذلك ولم يفوا بوعدهم ،لا تتصوري  كمية التصويت التي نالها علي في هذه الأثناء كانت القناة قد بدأت تنتشر من خلال الأطفال ومعارفهم في بلدان أخرى ،فصار البرنامج متابع أكثر وراحت تنهال الأصوات لعلي من المغرب ومن مصر ومن الجزائر ومن الخليج ومن الأردن ناهيك عن سورية ويومها صوت له الملحن وليد سعد وأخاف أن أكون مخطئة باسمه ويومها رد الكونترول على هذا التصويت وقال لعلي ابسط يا عم اذا الملحن الكبير بنفسه صوّت لك هذا يعني أنك بالمقدمة .

وعدنا الى اللاذقية وذهبنا النادي وقد شاهدوا علي وآيه على التفزيون فسألوني ألا يستطيعون مشاركة أطفالهم من دون الذهاب الى الأردن لأن هذا مستحيل بالنسبة لهم واتهموني بالجنون كيف أعرض أولادي للخطر فقلت لهم لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا .

وأخذوا مني رقم التلفون ليتواصلوا معهم ولكثرة ما انهالت عليهم النداءات من الأهالي لذا قرروا تخصيص استوديو بدمشق لإستقبالهم واتاحة الفرصة أمام أطفالهم اتفقوا وقتها مع المخرج السوري عامر زهير الجابي وتم الأمر وبقي البرنامج يعرض لمدة شهرين تقريبا لم أعد أتذكر خلالها انتشر علي انتشارا معقولا وراح يحضر للمرحلة الثانية حيث اختار له استاذه معزوفة في يوم و ليلة ليقدمها ولكن وكما قلت لك بدأ يفرط البرنامج وينحسر تدريجيا الى ان نسينا الموضوع بدون أن يعكر صفونا لانها تجربة رائعة ومهمة لعلي وهذا ما نريده .وهكذا انتهت هذه المرحلة .

سأدخل معك بمشوار علي القصير مع القانون ، في بداية المرحلة الثانوية لعلي أي في الصف العاشر وقد كانت بداية الأزمة في سورية هكذا كنا نسميها الى ان اتضح بعد وقت قصير أنها حرب ممنهجة ،خلال هذه الفترة كان علي قد قرر قرارا نهائيا أنه سينهي دراسته الثانوية ويلتحق بالمعهد العالي للموسيقا في دمشق والمرحلة الثانوية هي الصف العاشر والحادي عشر والثالث الثانوي والتي نسميها البكالوريا،إذا في الصف العاشر اتخذ علي هذا القرار النهائي وأنه سيدخل القسم الشرقي وأنه يريد البدء بمشوار القانون ،ولمعت بذهنه فكرة زيارة دار الأوبرا بدمشق والتي تحاذي المعهد العالي للموسيقا ،فأعجبتني الفكرة ولم نتردد لحظة وفعلا ذهبنا أنا وزوجي وعلي وآيه الى دمشق وقصدنا دار الأوبرا وراح علي يمشي ويمشي متنقلا فيها ويقف بباب المعهد العالي ويقول ضاحكا فرحا انتظرني أيها الحلم سآتيك بعد ثلاث سنوات ، فنضحك جميعا فرحين انشالله ،وبعدها دخلت أنا وهو فقط الى دار الأوبرا وسألنا عن المدير ،كان علي يمشي فيها متأملا كل مكان بإعجاب شديد ويقول لي سأطلب من إدارة الدار أن تسمح لي تقديم معزوفة لحن الخلود على خشبة مسرحها إهداء إلى أرواح الشهداء الخالدة فتلمست رأسه وعبثت بشعره قائلة إنها فكرة رائعة يا علي أأمل أن يلبوا رغبتك ، ولطالما ردد علي قبل وفاته بشهر جملة (أتمنى من الله أنْ أموت شهيدا )،وعندما استدلينا على مكتب الإدارة رحبت بنا السكرتيرة وأمهلتنا قليلا بالدخول ثم دخلنا كانت المديرة فنانة موسيقية راقية الحس والتعامل إسمها ماريا أرناؤوط فعرفناها عن نفسنا واختصرنا تاريخ علي الموسيقي كرؤوس أقلام وأهداها علي سيدي من السيديات التي كانت معه في مصر لبعض معزوفاته وأخذت فكرة عن إمكانيته الراقية وشجعته على تعلم القانون وقالت لو كنت تسكن في دمشق لتكفل الدار بتعليمك العزف على القانون على يد أفضل الأساتذة فقلت لها شاكرة لطفها سنهتم بالموضوع في اللاذقية وأثنت على موهبة علي وشجعته كثيرا وقالت له المعهد العالي للموسيقا سيكون بانتظارك بعد ثلاث سنوات باذن الله وبنهاية الزيارة طلب منها علي أن تسمح له تقديم معزوفة لحن الخلود بإحدى نشاطات الدار إهداء لأرواح الشهداء فقالت له عندما يتسنى الوقت لذلك وأعدك أن يكون قريبا سأتصل بك وأدعوك لتقديمها وشكرت حسه الوطني العالي واستأذناها شاكرين لطفها وغادرنا والأمل والفرح يملئ قلب علي وعدنا الى اللاذقية وهكذا كتب الله سبحانه لعلي أن يزور المعهد الذي يريد أن يلتحق به و دار الأوبرا حلم حياته للمرة الأولى والأخيرة حيث أن الأستاذة ماريا أرناؤوط طال انتظار علي لإتصالها حتى تفي بوعدها له لتدعيه لعزف لحن الخلود على مسرح دار الأوبرا ورحل علي للدار العليا في نهاية صفه الحادي عشر وبقي هذا الحلم الوحيد الذي لم يحققه في حياته والحمد لله على كل شيئ ،ألم يكن علي مع إيماني المطلق بإرادة الله سبحانه يستحق تحقيق هذا الحلم .

بالعودة الى القانون طبعا علي أثناء تعلمه على القانون لم ينقطع أبدا عن النادي الموسيقي ولا عن متابعته على الأورغ وقلنا لاستاذ الأورغ عما حصل معنا في دمشق فهو متابع لكل تفصيل في حياة علي الموسيقية ،فعرفنا على الاستاذ الذي سيستلم علي بآلة القانون وقال لنا أولا علينا شراء الآلة ولم يمضِ أيام حتى كان القانون في البيت وأصبح بيتنا عبارة عن نادي موسيقي لكثرة اللآلات فيه فخلال مسيرة علي على الاورغ كان قد أصبح عنده أربع أورغات بالإضافة للغيتار الذي رغبت فيه آيه بفترة من فترات مللها من الأورغ والذي راح يتدرب عليه أحيانا والآن انضم فردا جديدا إنه القانون وأخيرا هكذا هتف علي.

كنا نؤمن انا وزوجي أن ثروتنا الوحيدة هي أولادنا نستثمر مدخولنا في تعليمهم رغم اننا لسنا من الاثرياء انما هذه هي الثروة الحقيقية وكم أحمد الله وأشكره فهذه القناعة هي نعمة من الله فالحمد له .

اتفقنا مع أستاذ القانون أن يأتي الى البيت لإعطاء الدروس لعلي وقمت أنا وعلي بتنسيق المواعيد بين مدرسته وآلة الأورغ والقانون وأعطينا للقانون وقتا أكبر ،ولم تمضي سنة ونصف حتى تقدم علي بشكل مبهر أدهش أستاذه وهذا ما قاله في تأبين علي ، وراح علي يغلق باب غرفته عليه بالساعات ويتنقل بين الأورغ والقانون ويرتجل ألحانا ويقوم بتسجيلها ولولا هذه التسجيلات لرحل مع علي صوت عزفه على القانون ولكنه الله سبحانه ألهم علي ليترك لنا ذاك الأثر على مرحلة مهمة من حياته .

كان علياً عندما يدخل غرفته ليعزف يغلق على نفسه الباب ، كنت أدخل عليه لأني أعلم ما يجري بالداخل ولم أكن لأحرم نفسي من هذا المشهد الملائكي السماوي المبدع ، فعلي عندما يسلطن ويطير ويرتفع عن الأرض كما يشعر نفسه عندما يعزف وهذا تعبيره لأحاسيسه ، يرافق كل هذا حالة خاصة بعلي طبعا عندما يكون لوحده وليس بين الناس هذه الحالة هي البكاء الصامت الحزين المبهج الساكن بصوته والصاخب بحسه دموع كحبات اللؤلؤ تخط طريقا على وجنتيه يختصر فيه فصول السنة مارا بها كلها ،فألقي نظرة طويلة بعض الشئ دون حركة مني حتى لا ألفت انتباهه وأتأمل هذا الملاك الذي أكرمني به الله ألف حمد وشكر له على هديته لي تبارك الخالق فيما خلق .

خلال هذه السنة من تدريبات القانون وقبلها ببضعة أشهر كنت وعلي قد فكرنا بمشروع خاص به وله وحده وهو أمسية موسيقية تتضمن عدد كبير من معزوفاته بالإضافة للقطعتين التي قام بتلحينهما بنفسه ،نقيمها على حسابنا الخاص على أحد المسارح ندعو اليها الناس بدعوة عامة للإستماع والإستمتاع بعزف علي. وفعلا هذا ما كان يتابعه علي ويعمل عليه خلال فترة تعلمه لآلة القانون ،وقطع شوطا كبيرا فيه وعمل بجد وكد وسهر الليالي ولم أكن لأفارقه لحظة فأنا بالنسبة له كما كان يسميني مازحا ، ماما مديرة أعمالي فوالله ويشهد الله عليٌ أني أنا وعلي كنا روحا واحدة بجسدين حتى أننا كثيرا ما كنا نصحو من نومنا بالليل وفي نفس اللحظة مرتعبين لا نعرف من أي شيء أو سعيدين لشيئ ما ويكون نفس الشيئ في حلمي وحلمه وكم كان هذا الأمر يفاجئ أصدقاءنا وأقاربنا عندما نقول لهم ما يحدث معنا ،المهم بقي علي يحضر لأمسيته إلى أن بدأت الحرب تشتد فركن علي موضوع الأمسية جانبا والتفت حزيناً يتأمل حال الوطن وحال محبوبته سوريا وما يجري فيها من حرب.

 

في الحلقه القادمة والاخيرة سأتحدث عن ملابسات رحيل علي رحمه الله

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر