قياس السلم الموسيقي العربي - الباحثه فاطمة الظاهر

2013-08-04

قياس السلم الموسيقي العربي - الباحثه فاطمة الظاهر

 . لقد اندثر وطمس السلم الموسيقي العربي الذي كان يعمل به أسحاق الموصلي ونظر له أبن سينا والكندي والفارابي وأخرهم الارموي ...ولم يتبقى لنا سوى مقامات متناثرة هنا وهناك ... 

مرت الموسيقى العربية بحقب زمنية وصلت بها 


 الوتر السابع

المصدر  : الوتر السابع
المحاولات الجاده في قياس السلم الموسيقي العربي
 
الباحثه : فاطمة الظاهر
 
لماذا اندثر السلم الموسيقي العربي؟ 
 
نعم.... لقد اندثر وطمس السلم الموسيقي العربي الذي كان يعمل به أسحاق الموصلي ونظر له أبن سينا والكندي والفارابي وأخرهم الارموي ...ولم يتبقى لنا سوى مقامات متناثرة هنا وهناك ... 
مرت الموسيقى العربية بحقب زمنية وصلت بها الى الذروة كما في العصر العباسي الذي شهد فيه العديد من العلماء الذين عملوا على تنظير الموسيقى العربيه بشكل منقطع النظير ، ورغم كل الغزوات الثقافية والعسكرية التي غزت بلادنا العربية من الخليج الى المحيط  والتي ضيعت على العرب معظم علومهم وما توصولوا اليه من تقدم  , بقى الغناء العربي الاصيل محافظا على هويته العربية ولم يندثر , وبقيت الموسيقى العربيه محافظه على نكهتها الشرقية العربية الاصيله
وجاء المؤتمر الاول للموسيقى العربية المنعقد في القاهرة سنة 1932 وكان يرمي الى اعلاء مستوى الاداب الشرقية وترقية الفنون العربية , حيث طرح المؤتمر مجموعة من المسائل والتى تخص المقامات العربية وضروبها والسلم العربي . وكان يهدف الى تنظيم الموسيقى العربية على اساس متين من العلم والفن تتفق عليه جميع البلاد العربية  واقرار المقامات  والرموز التى تكتب بها الانغام و كذلك اقرار السلم الموسيقى العربي ووضعه على اسس علمية تسير عليها الموسيقى العربية ، حيث قبل مؤتمر الموسيقى العربيه كان الأرتجال في الغناء هو النمط السائد وسمة من سمات الغناء العربي ، ومع دخول الأسطوانات سنه 1904 والتي تطلب الامر تسجيل أغنيات من غير تصرف ووفقاً للحن الذي أصبح في الغالب مكتوباً مدوناً ، فبدأت في تلك الفترة من الزمن محاولات لحصر المقامات المستعمله وغير المستعملة عند أكثر من مؤلف وفي اكثر من عنوان , ولعل الموسيقار المصري الاستاذ كامل الخلعي كان أحد اعلام الموسيقى العربيه الذي برز في اثراء وتنشيط الفكر الموسيقي العربي , كان قد ساهم كملحن ومؤلف ومفكر للموسيقى وذلك من خلال تناول الموسيقى في مؤلفاته من عدة زوايا منها السلم الموسيقي والمقامات , التلحين , الاوزان , الضروب , الالات , وحتى التاريخ الموسيقي.  
وقد صب نواتج فكره في كتبه الثلاث:
1- نيل الاماني في ضروب الاغاني
2- الاغاني العصريه
3- الموسيقى الشرقيه
 
فكل ما كان يعرفوه في الفترة ما قبل مؤتمر الموسيقى العربيه هو مقامات الموسيقى العربيه وطريقه تدوينها على الطريقه التركيه السائده آنذاك بحكم تولي مقادير الخلافه العثمانيه في الدول العربيه . وعلى الرغم من النجاحات التي حققها المؤتمر الاول للموسيقى العربيه في تدوين المقامات وأدلتها بشكل ثابت ألا أنه أخفق المؤتمر في قضيه قياس السلم الموسيقى العربي. 
ففي محضر الجلسه الثالثه التي تولى اعمال السكرتاريه فيها الدكتور محمود احمد الحفني السكرتير العام للمؤتمر , تلا البارون كارادي فو – مستشرق باللغه العربيه من فرنسا , رئيس لجنه المسائل العامه في المؤتمر وعضو في لجنه السلم الموسيقي العربي قال فيها :
" لا يزال هنالك بعض الغموض فيما يختص بمبادئ المقامات والسلالم المعروفه , والحقيقه .. ان السلم العربي لا وجود له !!! 
وانما توجد مقامات فقط واذا ذكرنا السلم فأن الماثل في الأذهان هو مجموعه المقامات او ديوان اساسي يتألف من عده انغام , واذا اعتبرنا السلم العربي بهذا المعنى يجب علينا ان نجد سلماً كما وجدناه في عهد اليونانين القدامى اذ وجد سلم من وضع اليبيوس حيث اذا بدئ بأيه علامه من علاماته يمكننا معرفه التسع مقامات اليونانيه الاساسيه وهي ( الفريجي والليدي والدوري ...) مع فرع كل منها , وهذا السلم إستعمله الفارابي وصفي الدين الارموي ولكنه كثير التعقيد في تركيبه , وهو من عمل بعض المشتغلين في العلوم الرياضيه علاوة على إنه لا يتسع لأكثر من تسع مقامات ".
وبهذا يكون المؤتمر قد اخفق في محاولة ايجاد سلماً عربياً تعتمده جميع الدول التي تعتمد الموسيقى الشرقيه في غناءها وعزفه 
وفي الواقع أن النقطه الاساسيه والتي لربما كانت المعوق الرئيسي التي حرفت مسار عمل لجنة السلم الموسيقي في مؤتمر الموسيقى العربيه الأول ، فأخفقت في إيجاده , كانت موضوعة الربع تون , وكان لابد للعلماء العرب أن يتنبهوا لهذه النقطه , حيث ان الربع تون غير موجود اصلاً في الموسيقى العربيه 
ان أول من ذكر هذا السلم ذو ارباع التونات هو شهاب الدين المصري في كتابه ( سفينة الملك ونفيسة الفلك ) والدكتور ميخائيل جرجيس مشاقة ( 1800 – 1888 ) في كتابه ( الرساله الشهابيه ) وقد شرحه شرحاً مفصلاً وأتى عليه بالبراهين الحسابيه والهندسيه , ولم يعرف من اين أتى بكل هذا , حيث قبل هذا السلم كان السلم المعمول به هو السلم العربي والذي هو سلم صفي الدين الارموي البغدادي ( 613 – 693 هج ) والذين من قبله سلم( الكندي والموصلي والفارابي ) والمؤلف من ( 18 نغمة) محصوراً بينها (17 بعداً غير متساويه) أذ بقي سلماً موسيقياً عربياً معمولاً  به الى أن ظهر (السلم ذو 24 ربعاً ) والذي شرحة مشاقة في رسالته الشهابيه
حيث أنه على الرغم من وجود العدد الكبير من أعلام الموسيقى الاوربيه والذين كانوا حاضرين في المؤتمر , الا أنهم لم ينبهوا حضور المؤتمرين بحقيقة هذه النقطه وهي عدم وجود ربع التون في الموسيقى العربيه , وإنما أوغلوا في استغفال هذه النقطه المهمه والمفصليه في قياس السلم العربي ,  فبقي ربع التون العقبه في إيجاد السلم العربي ، حيث وكما معلوم ان السلالم الموسيقيه تقاس من خلال تتابع الابعاد بين النغمات 
أنه لمن المعلوم لجميع الموسيقين والعاملين في مجال الموسيقى النظرية والعمليه , من الصعب جداً أن نجد ولم نجد تتابع سلمي مكون من 24 صوتاً في الاوكتاف الواحد في الموسيقى العربيه , أن كان عزفاً او غناءاً أو تأليفاً منذ فجر تاريخ الموسيقى العربيه حتى يومنا هذا , وذلك لان الاذن البشريه أقل ما تستطيع ان تدركه هي القيم اللحنيه التي يحملها توالي عزف او غناء ( الاثنى عشر صوتاً ) (السلم الكروماتيكي الملون) التي يتكون منها السلم المعتدل المستعمل في أوروبا – والذي أصغر بُعد فيه وجميعها هو انصاف التونات -  أدراكاً واضحاً ثابت القيمه.
لو نظرنا الى موسيقانا العربيه والى جميع المقامات ( الرئيسيه والفرعيه ) ومن ثم تحليلها الى أجناسها المكونه لها - حيث ان الجنس هو السمه الاساسيه في الموسيقى العربيه - فلا نجد وجود لبعد (ربع تون )  بين اي نوطتين متتاليتين في جميع تلك الاجناس والتي عددها 9 , ليس هنالك مقاماً واحداً في الموسيقى العربيه يسمع فيه (التون ونصف التون وربع التون) في آن واحد , مثلاً( مي بيمول – مي كاربيمول – مي الطبيعيه ) متسلسلاً ، وانما هنالك أبعاد( التون ، نصف التون ، ثلاث أرباع التون ، وتون ونصف)وليس هنالك بُعد ربع التون بين أي نوطتين متتاليتين في أي ٍجنس من الأجناس العربيه المعروفه.
من هنا نفهم أن موضوع (ربع التون) الذي أعير الاهمية القصوى في محاولة إيجاد السلم العربي ولكنة غير موجود , كان قد حرف المسار الى طريق مسدود في قياس السلم العربي , ولو كانوا جماعة المؤتمرين قد تنبهوا الى هذه الحقيقه لربما كانت الابحاث والدراسات والتجارب التي اجريت في مؤتمر الموسيقى العربيه الاول  قد اخذت منحى اخر ولربما استطاعت ان تطلع  بنتائج  اخرى تخدم موضوع  قياس السلم العربي  بشكل افضل
في الموسيقى الغربيه يوجد سلمين موسيقيين وهما السلم الكبير(الميجر Major) والسلم الصغير(الماينر Minor)  ، وكل سلم من هذين السلمين يمكن له ان يبتدء من أية نغمة على المدرج الموسيقي شريطة ان تكون الابعاد بين النغمات السبعه تتبع نظام رياضي كالذي في السلم الكبير او السلم الصغير ، نفهم من هذا الكلام ان تحديد المقام ان كان كبيراً او صغيراً يعتمد على الابعاد الواقعه بين نغمة وأخرى .. فأن كانت الأبعاد الفاصله بين نغمة واخرى تتبع نظام ابعاد السلم الكبير فهي مقامات كبيرة وان كانت تتبع نظام ابعاد السلم الصغير فهي أذن مقامات صغيرة. 
السلم الكبير(Major) في الموسيقى الغربيه يقابله ( مقام العجم) في الموسيقى الشرقيه  ( لانهما يمتلكان نفس الأبعاد الموسيقيه الفاصله بين النغمات السبعه) .
والسلم الصغير(Minor) في الموسيقى الغربيه يقابله ( مقام النهاوند) في الموسيقى الشرقيه  ولنفس السبب .. وكذلك يجري عزف هذين المقامين ( العجم والنهاوند ) في الموسيقى الشرقية من مواقع نغمات مختلفة ( أي من اية نغمة كانت ) من السلم الموسيقي تماماً كما في الموسيقى الغربيه.
أما عند الشرقيين ، فانها ليست كذلك فقد تعددت المقامات وتعددت تسمياتها وتعقدت مسائلها وان اي تغيير في نغمة بداية المقام او في ترتيب الابعاد السبعة من السلم او اي تغيير في كيفية انهاء المقام جعلوها مقاماً منفصلاً جديداً فيعطوه تسمية جديده ويسمون ذلك تصويرا للمقام. فيقال مثلاً (عجم عشيران) وهوعجم على السي بيمول بينما يسمونه (جهاركاه ) عندما يكون على درجة الفا ، كذلك بالنسبة لمقام الراست ومقام اليكاه ، فالآثنان واحد وانما الأختلاف فقط في نغمة البدايه ، حيث مقام الراست درجة استقراره هو الدو(الراست) ومقام اليكاه درجة استقراره الصول(اليكاه) ، وان الأبعاد بين كل نغمة واخرى هي نفسها .. ونفس الشئ بالنسبه لمقام الحجازكار(على درجة الراست) ، ومقام الشدعربان ( على درجة اليكاه) ، والشاهناز ( على درجة الدوكاه) اختلفت تسمياتها الا انها في الحقيقه الابعاد الموسيقيه بين النغمات واحده في جميعها.
فعند الغربين تكون المقامات واضحه ومباشرة من خلال تسميتها ونظام الابعاد الموسيقيه التي تتبعها ، أما عند الشرقيين فقد تتفرع هذين المقامين باشكال مختلفة وهكذا نشأت مقامات عديدة تختلف عن بعضها في عرف الموسيقي الشرقي مثل الحجاز والنكريز والنواثر والحجازكار والحجازكاركرد واللامي وغيرها ،علماً ان الموسيقى الغربية تستطيع ان تعزف من خلال (السلمين، الكبير والصغير) جميع هذه الانغام او المقامات الشرقية وتعتبرها جزءا من المقامين الاساسيين( الكبير والصغير). 
كذلك قسمت الموسيقى الشرقية البعد الطنيني( البعد الكامل =1)  الى اربعة اقسام بدلا من تقسيمه الى قسمين كما في الموسيقى الغربية مما أوجد عدد اخر من المقامات التي لا تستخدمها الموسيقى الغربية فنشأت مقامات مثل الرست والبيات والصبا والسيكاه والمخالف والبستة نكار وغيرها من المقامات التي يدخل فيها بعد (الثلاث أرباع) بين بعض نغماتها ، مما بلغ عدد المقامات وحسب أحصائيه المؤتمر الاول للموسيقى العربيه 94 مقاماً. 
كذلك اوجدت الموسيقى الشرقية بعدين اخرين يشار اليهما بعلامات التحويل نصف بيمول ويسمى(كاربيمول ) والذي يخفض الصوت ربع تون ، ونصف دييز ( كاردييز) الذي يرفع الصوت ربع تون  ، وهاتين العلامتين غير مستعملة في الموسيقى الغربيه ، وهذه ايضاً بدورها اوجدت مقامات جديده نتيجة علامات التحويل هذه والتي تجرى على بعض النغمات من نغمات السلم الموسيقي.
فنعود أذن لما قاله البارون كارادي فو ، فأن قضية السلم الموسيقي العربي تحتاج الى بعض المشتغلين في العلوم الرياضيه ليتمكنوا من إيجاد تلك العلاقات الرياضيه التي ممكن ان تربط كل تلك المقامات وتنظمها في نظام رياضي هندسي ليحصلوا على سلم موسيقي عربي تندرج تحته معظم المقامات الشرقيه.
 
المصادر
1- كتاب مؤتمر الموسيقى العربيه لسنه 1932 – المجس الاعلى للثقافه – 2007
2- قياس السلم الموسيقي العربي – الدكتور يوسف شوقي – 1969 – مركز تحقيق التراث ونشرة – الجمهوريه العربيه المتحده
3- الموسيقى النظريه – محمود احمد الحفني – 1946
4- الموسيقى العربيه طبقاً للمناهج الحديثه – أمين فهمي
5- مفتاح الالحان العربيه – محمد صلاح الدين 
6- رساله دكتوراه – البناء العلمي لآتفاقات النغم في الموسيقى العربيه – نعيمه صادق بطرس – 1987
7- رساله ماجستير - الأختلافات في دليل المقام والميزان في الموسيقى العربيه – دراسه نظريه تحليليه – احمد يوسف محمدعلى – 2000
تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر