ورقة الباحثة والناقدة الموسيقية فاطمة الظاهر في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة نوفمبر / 2019

2019-11-09

ورقة الباحثة والناقدة الموسيقية فاطمة الظاهر في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة نوفمبر / 2019

 كتابة : الباحثة والناقدة الموسيقية فاطمة الظاهر


 بقلم : الباحثة الموسيقية فاطمة الظاهر

كان موعد عرض بحثي في مؤتمر الموسيقى العربية السنوي في القاهرة يوم الأحد المصادف 3/11/2019 
ترأس الجلسة الأب د. يوسف طنوس من لبنان ، أبتدأت الجلسة بورقة الدكتور محمد غوانمة من الاردن والتي كانت بعنوان ( أثر الحراك المجتمعي على أبداع المرأة الأردنية في الغناء ، المطربة سلوى العاص نموذجاً) تلاه الدكتور محمد أدم سليمان من السودان حملت ورقته عنوان ( أثر الحراك الأجتماعي على أبداع المرأة السودانية 1940 - 1999) ثم ورقة الدكتورة ميشال الشمالي بعنوان ( المرأه العربية من التلقي الى الأبداع الموسيقي) ثم أختتمت الجلسة بورقتي والتي حملت عنوان ( أثر التحولات السياسية والأجتماعية على الغناء النسوي في العراق) 
 أستعرضت في ورقتي مسيرة قرن كامل من الزمان لحركة الغناء النسوي العراقي وبين التحولات والمتغيرات السياسية والاجتماعية خلال القرن العشرين ، وكيف أن عقود النصف الاول من ذلك القرن يأتي محملاً بالعديد من الأحداث الأيجابية ولغاية عقد الخمسينيات والتي كان فيها المشهد الغنائي النسوي في أوج تألقة وجماله ، وبدأً من الستينات وثورة 14 تموز في العام 1958 والتي قلبت النظام الملكي الى نظام جمهوري حيث كان معها بداية الأنهيار على المستوى السياسي والثقافي وخاصة حركة الغناء النسوي التي بدأت بالأنهيار بسبب الأنقلابات العسكرية والتحولات السياسية والصراع على السلطة والذي لا يخلو من صراعات دموية عنيفة أحياناً أطاحت بكل المكتسبات المادية والمعنوية التي أسس لها أجيال متعاقبة من العراقيين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 ، وأطاحت أيضاً بالسلام النسبي الذي كان ينعم به العراقيين في ظل الحكم الملكي ، ثم أستعرضت الغناء النسوي في ظل تجربة حكم البعث الذي أستلم السلطة بشكل كامل بعد أنقلاب 17 تموز 1968 
لقد قسمت فترة حكم البعث الى فترتين 
الفترة الاولى : حركة الغناء النسوي بين العامين 1968 والعام 1979 وقد أتسمت هذه الفترة بالانفتاح والحريات النسبية من خلال التأسيس للبنى التحتية الثقافية ( مدرسة الموسيقى والبالية 1968 ، معهد الدراسات النغمية 1971 ، المركز الدولي لدراسات الموسيقى التقليدية 1970 ، تأسيس فرقة الانشاد العراقية 1971 ) أضافةً الى المصالحات السياسية التاريخية التي عقدها حزب البعث مع الآحزاب اليسارية والقومية الأخرى من خلال ما يسمى ب(الجبهة الوطنية التقدمية) مما أعطى فرصة المشاركة النسبية في الحكم وممارسة الأنشطة السياسية والثقافية والفنية لجميع هذه الاحزاب وتحول الصراع من صراع دموي عنيف في عقد الستينيات الى صراع سياسي ثقافي في عقد السبعينيات، أضافة الى المنجزات الاخرى مما ساعدت على أفراز جيل موسيقي جديد أحدث نقلة نوعية في الأغنية العراقية وهم جيل الملحنين في السبعينيات ، ألا أن كل ذلك التحول الايجابي في السياسية والثقافة عجز عن طرح أصوات نسائية ، وعلى قلتهم الا انهنّ لم يكنّ بمستوى مطربات العقود السابقة (لا كما ولا نوعاً)
الفترة الثانية : حيث أستعرضت حركة الغناء النسوي في فترة الثمانينات وبعد أستلام صدام حسين للمنصب الاول في الدولة العراقية أضافة الى مناصبه الأخرى فقد كان ( رئيس الجمهورية العراقية ، والقائد العام للقوات المسلحة ، ورئيس مجلس قيادة الثورة ، وأمين سر القيادة القطرية لحزب البعث) حيث جاءت سنوات الثمانينات تحمل في طياتها حرباً  طاحنة مع أيران والتي دامت على مدى 8 سنوات ، مما أدى الى أعتزال وأنسحاب أغلب المطربات العراقيات في أواسط الثمانينات وذلك بسبب توظيف الغناء ومعه الشعر للمجهود الأعلامي الحربي وليكونا فيلقاً يضاف الى الفيالق العسكرية المقاتلة في سوح المعارك وعلى الجبهات ، وهذا بلا شك يدعو الى مشاركة جميع المطربات والمطربين في الغناء للمعركة وتمجيد القائد المنتصر ، مما أضطر أغلب مطربات هذه الفترة الى الأعتزال أو الهجرة ، مثل المطربة الكبيرة مائد نزهت والمطربة أنوار عبد الوهاب وسيتا هاكوبيان وأمل خضير وخلو الساحة الغنائية من مطربات رصينات مقتدرات إلا ما ندر ، والآستعانة بالمطربات العربيات مثل ( وردة الجزائرية وسميرة سعيدة وسوزان عطية وسعاد محمد ) للغناء للمعارك من أجل التعبئة والتحشيد ، ووصولاً الى فترة التسعينيات ومع الحصار الأقتصادي الجائر نجد ليس هنالك مطربات رصينات يؤدين الغناء العراقي الرصين المهذب والأكاديمي الا ما ندر مثل المغنية (سيناء) ألا ان هذه أيضاً إختفت من المشهد الغنائي باكراً ولم يتبقى سوى فقاعات غنائية لم تضف شيئاً الى المشهد الغنائي ، وغزى الساحة الغنائية المطربات من أصول غجرية مثل صبيحة ذياب وساجدة عبيد وغيرهنّ اللواتي تسيدن المشهد الغنائي بالكامل على مستوى الأذاعة والتلفزيون والشريط الممغنط (الكاسيت).
 
أن المفارقة المفجعة والمؤلمة أن نرى مطربات الجيل الأول اللواتي كافحنَّ لنيل الاعتراف بهن كفنانات في مجتمع مغلق ومحافظ تحكمه منظومة أسلامية متشددة متوارثة من العهد العثماني الذي كان الأقسى والأشد ظلمة بين كل الأحتلالات التي مرت بالعراق حتى سميت بالفترة المظلمة والذي دام احتلالها للمرة الثانية 300 عاماً حتى الأحتلال البريطاني في العام 1917، قد نجحن حقاً في نيل هذا الاعتراف وحظينّ بالمكانة الأجتماعية العالية ، بينما في الجانب الآخر والصفحة الاخيرة من القرن العشرين نشهد تراجع المكانة الاجتماعية للمشتغلات في الفن وخاصة الغناء، فبدلا من أن تنال المرأة المغنية حظا وافراً من التقدير الاجتماعي والاعتباري نرى العكس من ذلك، فقد أصبح الاشتغال بالغناء والرقص قرين العمل بالمواخير، ولم يأتي هذا التحول من فراغ بل جاء من مجموعة تلك العوامل المرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية في البلد
حقيقةً هذا كان مختصر مفيد لورقتي التي ألقيتها في المؤتمر وقد عززتها بعرض فيديو طوله 14 دقيقة أستعرضت فية بعض العينات من المطربات العراقيات والعربيات اللواتي تركنّ الأثر الكبير على المشهد الغنائي العراقي خلال القرن العشرين بدأً من عشرينيات القرن وحتى سقوط النظام أبان الأحتلال الأمريكي في العام 2003
وفي نهاية جلسات المؤتمر قدمت توصية في أن يدرج موضوع ( المقام العراقي) في المؤتمرات العربية على مستوى الوطن العربي والتي ستقام مستقبلاً للتعريف به ودراسته أكاديمياً لأنه سيكون أضافة مهمة للموسيقى العربية بشكل عام لما للمقام العراقي من وسع في المقامات وأسلوب خاص في الأداء من خلال أركانه التي تحكم أدائه.
لقد كانت جميع البحوث المطروحة في المؤتمر على قدر عالي من القيمة والأهمية ، وشارك الغالبية العظمى من المؤتمرين بمداخلاتهم التي أثرت المواضيع ولاقت الكثير من القبول.
 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر