شاهد ملامح الملا عثمان الموصلي وكأنك تراه قبل قرن من الزمان

2020-04-30

شاهد ملامح الملا عثمان الموصلي وكأنك تراه قبل قرن من الزمان

 الوتر السابع


 صورة نادرة مهداة من الأستاذ أياد نزال الى موقع الوتر السابع 

حيث كتب يقول :" مؤسس فن الموشحات العربيه وصاحب أشهر موشح على الاطلاق؛ "يا ليل الصب متى غده"، الشيخ عثمان الموصلي، بالتكنلوجيا الحديثه التي أصبح من خلالها السفر إلى الماضي ممكنا، فرصه ان نراه الان كما راه معاصروه قبل أكثر من قرن من الزمن".
شكراً للأستاذ أياد الفنان الماهر والمحترف على هذه الصورة الرائعة

الملا عثمان الموصلي  (1854 –1923)

بحث وأعداد : الباحثة الموسيقية فاطمة الظاهر


ولد عثمان الموصلي عام 1854م في الموصل ، وكان والده الحاج عبد الله يعمل سقاء متوارثاً المهنة عن أجداده ، توفي والده وهو في السابعة من عمره، فقد بصره وهو صغيراً متأثراً بمرض الجدري فعوضه الله بالبلاغة وفصاحة اللسان وألهمه من نعمه في صياغة الالحان ، فضمه جاره محمود بن سليمان العمري إلى أولاده وجعله موضع عناية حيث عين له معلماً حفّظه القرآن، وقد أعجب محمود أفندي بصوت عثمان فخصص له معلماً يعلمه الموسيقى والألحان، فنبغ فيها وحفظ الأشعار والقصائد، وشرع عثمان في تعلم علوم العربية على علماء عصره كالشيخ عمر الأربيلي وصالح الخطيب وعبد الله فيضي وغيرهم وكان يجيد اللغتين الفارسية والتركية.
وعندما توفي محمود أفندي العمري عام 1865 ترك عثمان مدينة الموصل إلى بغداد وكان في العقد الثالث من عمره، وتلقاه بالتكريم أحمد عزة باشا العمري ابن محمود أفندي، وأسكنه عنده واشتهر هناك بقراءة المولد فحفّ به الناس.
درس عثمان صحيح البخاري على يد داؤد أفندي وبهاء الحق أفندي الهندي. وذهب إلى الحج ثم عاد إلى الموصل عام 1886، وتتبع الدرس فيها على يد الشيخ محمد بن جرجيس الموصلي الشهير بالنوري، وأخذ عنه الطريقة القادرية، وهي إحدى الطرق الصوفية الشهيرة في الموصل، وقرأ القراءات السبع على الطريقة الشاطبية على المقرئ الشيخ محمد بن حسن أجازه بها، وسافر إلى إسطنبول حيث تلقاه أحمد عزة باشا العمري، وعّرفه على مشاهير الناس وعلمائهم وأخذ عن الشيخ مخفي أفندي القراءات العشر والتكبيرات وأجازه فيها، ورأى الملا عثمان أن يوسع معارفه فسافر إلى مصر واخذ عن الشيخ يوسف عجور إمام الشافعية القراءات العشر والتهليل والتحميد وأجازه بها. وأصدر وهو في مصر مجلة سماها "المعارف" ولكن لم تطل حياتها.
عاد من مصر إلى الموصل، وكان قد درس في بغداد على يد الشيخ محمود شكري الآلوسي

 

سافر الملا عثمان إلى اسطنبول أكثر من مرة ، وينادي الأتراك الملّا عثمان ب(حافظ عثمان أفندي الموصلي) و(الحافظ) هو لقب يعطى لحفظة القرآن الكريم ، وقد يقترن اسمه أحياناً بلقب المتصوّفين الأتراك ، أقام في إسطنبول في زيارته الأولى بين عامي 1887 و 1895 ، نال لفخامة صوته وحسن تلاوته حظوة السلطان عبد الحميد ، فعيّنه شيخ قراء جامع آيا صوفيا.

يروي محمّد نظمي أوزالب في كتابه (تاريخ الموسيقى التركيّة) ، أنّ الجامع كان يمتلئ عن آخره بالمصلّين القادمين للاستماع إليه ، وفي إسطنبول درس عثمان أفندي على يد أسماء كبيرة في الموسيقى الكلاسيكيّة والصوفية ، مثل حسين فخر الدين وزكائي دده ، كما أعطى الملّا دروساً في الموسيقى لكل من يرغب أمام الجامع الذي كان يتلو فيه القرآن، وتحوّل دكّانه لبيع الكتب في محلة (تشمبرلي طاش) القريبة من آيا صوفيا إلى ملتقى لأهل الموسيقى والأدب ، وحلّ هو ضيفاً عزيزاً على مجالس إسطنبول الثقافيّة كصالون الأديبة (ليلى ساز ).

وفي مقهى (قراءة خانة) (فوزية) أحيا الملّا الأماسي الرمضانيّة مع نخبة موسيقيّي المدينة مثل عازف الكمان ممدوح ، وعازف القانون شمسي باي ، والمغني قراقاش أفندي ، وظلّ المقهى العثمانيّ الشهير حتى الحرب العالميّة الأولى ، مساحة ثقافيّةً تردّد عليها شعراء ومسرحيون وموسيقيون من وزن الطنبوري جميل باي ، والعوّاد نورس ، ورؤوف يقطا ، وعازف الكمان الأرمنيّ تاتيوسس أفندي إسكرجيان واليوناني فاسيلاكي ، وغيرهم من موسيقيي الأقليّات التي كانت تمسك بمقاليد صناعة الترفيه الموسيقيّ في إسطنبول

أستمع إليه الناس في جامع أيا صوفيا وأعجبوا به وأصبح مقصداً للمجتمع الأدبي والفني. وأهم الشخصيات التي تعرف بها في إسطنبول محمد أبو الهدى الصيادي وأخذ عنه الطريقة الرفاعية، وفتح أمامه آفاقاً بتقديمه إلى السلطان عبد الحميد فقربه السلطان وسمح له دخول قصوره وقصور الحريم متى شاء، وظل الملا عثمان مقرباً من البلاط في إسطنبول وكان موضع عناية الخليفة العثماني، فعينه السلطان عبد الحميد ( الدوله العثمانيه ) في تركياً رئيساً واماماً وممجداً في جامع ( آيا صوفيه ) الذي كان يصلي فيه , وذلك لحلاوة صوته وبلاغته وفصاحة لسانه وكان يعتمد عليه شخصياً في إيفاده إلى بعض أنحاء الإمبراطورية العثمانية لأغراض سياسية، كذلك أرسله السلطان عبد الحميد إلى ليبيا لمعرفة المقاصد السياسية للسنوسي فأكرمه السنوسي أجل إكرام ، كان يخطب في الحج باسم السلطان عبد الحميد بتخويل منه ، وبقي في منصبه حتى تنازل السلطان عبد الحميد عن العرش الى السلطان محمد رشاد , فعاد الى العراق واستقر في بغداد.
 ذاع صيته في العراق وتركيا ومصر وبلاد الشام , زار الشام ونال اعجاب المغنين والفنانين , ثم زار بيروت ومنها الى مصر فألتف حوله مشاهير الطرب والغناء أمثال عبده الحمولي ومحمد عثمان , وقد استمع منهم الى الادوار ثم اسمعهم غناء الادوار المصريه فأعجبوا بأداءه , كان عثمان الموصلي موضع حفاوةٍ واجلال واكرام في كل بلد يحل بها التقى عند ذهابه إلى مصر عام 1895 بالموسيقار عبده الحمولي وغيره من رجال الموسيقى والفن ودرسوا عليه فنون الموشحات، والتقى عام 1909 بسيد درويش في الشام، حيث تعلم سيد درويش منه الموشحات وفنون الموسيقى، وقام بتخميس لامية البوصيري واطلق عليها (الهدية الشامية على القصيدة اللامية).
كان شاعراً باللغه العربيه والفارسيه والتركيه , وان اكثر اشعار المواليد النبويه وتلحينها في العراق هي من نظمه وتلحينه ,  يجيد الضرب على الدف عالماً بالايقاع والاوزان , ملحناً من احسن الملحنين , وقد الف كتباً كثيراً في شتى العلوم أهمها:
- أبيض خواتم الحكم ( في التصوف)
- الطراز المذهب في الادب
- الابكار الحسان
- التوجع الاكبر في حادثة الازهر
لديه كم لا يحصر من الموشحات والاغاني والتي معظمها موشحات وابتهالات دينيه ، حولت فيما بعد الى موشحات واغنيات عاطفية يتغنى بها مشاهير الغناء العربي وأهمل جهلاً صاحبها واشهرها:
«زوروني كل سنة مرة» ، انتشرت هذه الأغنية بسرعة. وأصل هذه الأغنية موشح «زر قبر الحبيب مرة». والتي اقتبسها سيد درويش هي وأغنية » طلعت يا محلى نورها» التي كانت موشحًا للموصلي بعنوان «بهوى المختار المهدي».
ومن موشحات عثمان الموصلي المشهورة «أسمر أبو شامة» وأصلها «أحمد أتانا بحسن وسبانا»، و«فوق النخل فوق» التي هي بالاصل ابتهال «فوق العرش فوق»، و»ربيتك زغيرون حسن» الذي كان في الأصل «يا صفوة الرحمن سكن». أما أغنية «يا أم العيون السود» فقد اشتهرت بصوت ناظم الغزالي وانتشرت في معظم أنحاء العالم العربي، وهي من ألحان... الموصلي.
من شعره
قدك المياس يا عمري يا غصين البان كاليسري        أنت أحلى الناس في نظري جل من سواك يا قمري
قدك المياس مد مال لحظك الفتان قتالا        هل لوصل خلدك لا لا فاقطع الآمال وانتظري
أنا وحبيبي في جنينة والورد مخيم علينا        إن طلب مني وصالو يا رب تستر علينا
عيونك سود يا محلاهم قلبي تلوع بهواهم        صار لي سنتين بستناهم حيرت العالم في أمري

استمع الى موشح الورد يبسم والشذا - الحان الشيخ عثمان الموصلي - الكلام حديث للشاعر عبد الجبار العاشور  

 
توشيح " يا ربي صل على النبي " كلمات والحان الشيخ ملا عثمان الموصلي
 

 

 طرائف ونوادر ملا عثمان الموصلي

الملا عثمان الموصلي  (1855 – 1923)
  ان الشيخ ملا عثمان الموصلي ذلك الشيخ الضرير قد بلغ من العمر عتياً وبقى على ذلك اعجوبة الزمان في الذكاء والفطنة ، وله نوادر عديدة منها إذا سمع صوت شخص عرف اوصافه من طول وقصر قامته ، وبياض وسواد بشرته ، وحسن ودمامة خلقة ، وعرف كم عمره وكم له من السنين ، ومن يتحدث معه فلن ينساه ابداً ولو بعد سنين ، وله القدح المعلى في الموسيقى ، كان يضرب على العود وله في العلوم الفلكية يتفوق فيها على علماء عصره ، وكان سريع الخاطر لطيف النوادر حاضر البديهة مع شراسة في الطبع وشدة في الاخلاق ، وهو قارئ وشاعر وعالم بفنون الموسيقى.

ولد عثمان الموصلي عام 1854م في الموصل ، وكان والده الحاج عبد الله يعمل سقاء متوارثاً المهنة عن أجداده ، توفي والده وهو في السابعة من عمره، فقد بصره وهو صغيراً متأثراً بمرض الجدري فعوضه الله بالبلاغة وفصاحة اللسان وألهمه من نعمه في صياغة الالحان ، فضمه جاره محمود بن سليمان العمري إلى أولاده وجعله موضع عناية حيث عين له معلماً حفّظه القرآن، وقد أعجب محمود أفندي بصوت عثمان فخصص له معلماً يعلمه الموسيقى والألحان، فنبغ فيها وحفظ الأشعار والقصائد، وشرع عثمان في تعلم علوم العربية على علماء عصره كالشيخ عمر الأربيلي وصالح الخطيب وعبد الله فيضي وغيرهم وكان يجيد اللغتين الفارسية والتركية ، موسيقياً عالم بالانغام واصولها وشاعراً باللغة التركية والعربية وعازفاً مجيداً على العود ، بارعاً بالالحان ، يمتلك حنجرة ذهبية للاصوات ، عمل لدى السلطان عبد الحميد وكان ممجداً ومهللا ويقيم الموالد النبوية في مسجد آية صوفيا في تركيا.


مما سمعناه من المرحوم محمود صبحي الدفتري انه بينما كان يسير بمدخل سراي بغداد المجاور للقشلة ، رأى من بعيد الملا عثمان الموصلي ومعه عبد الجبار خان زادة رئيس الكتاب في دائرة الاوقاف ، فاشار عليه الا يخبر الملا عثمان بمجيئه . وكان الدفتري قد سمع ان الموصلي يعرف الاشخاص من تلمس ايديهم ، وعندما مدّ الدفتري يده لمصافحة الملا عثمان ، اخذ يتلمسها محاولا معرفة صاحبها كعادته ، الا ان الدفتري بادره بقوله : ان هذه اليد لم يسبق ان تشرفت بمصافحتك ولكن لها حبا موروثا انتقل من السلف . وبقي ساكتا وبدأ بتحريك رأسه يمينا ويسارا كعادته ، وماهي الا لحظات حتى قال :
اوراق اخلاصي اذا ما كتبت
تنشر في الافاق حسن الاسطر
كلها محفوظة في مهجتــــي
ومهجتي عند فؤاد الدفتـــــــري
وكان يشير الى ان محمود صبحي هو ابن فؤاد الدفتري .

ويذكر الاستاذ محمد بهجة الاثري : اما ذكاؤه وفطنته فحدث عن البحر ولا حرج ، وكأني بمن لم يره يتردد في تصديق ما اذكره من غرائبه ونوادره ، كان الشيخ عثمان الموصلي  اذا سمع صوت انسان يعرف اوصافه من حسن منطقه او دمامة خلقه وطول أوقصر قامته ، وعرف كم سنة . واذا لمس يد رجل كان قد فارقه مدة من الزمن عرفه في الحال ، واغرب من هذا وذاك انه كان يعرف الرجل من قرع نعليه.


مر يوماً في طريق من طرق بغداد فسمع من احد البيوت صوت عود نشاز غير منتظم فعرف حالا ان وترا من اوتاره لم يحكم شده فوقف وطرق باب البيت بعصاه الغليظة وقال : يا ضارب العود احكم وتر النوى . فقال الرجل : انا اردت ذلك بارك الله فيك .


وذكر المرحوم عبد اللطيف ثنيان ان الملا عثمان الموصلي دخل بيروت وكان فيها المرحوم صالح افندي السويدي فتقدم اليه وصافحه دون ان بنبس بكلمة فاخذ يده وبقي يتلمسها هنيهة وهو لا يعلم بوجوده في بيروت واذا به يقول : سويدي ما الذي جاء بك الى هنا ؟

وذكر المرحوم رؤوف افندي ابن حسن افندي الشربتجي الموصلي انه دخل على الشيخ ملا عثمان الموصلي في جامع في الاستانة فوجد الشيخ جالسا للوعظ . فجلس قريباً منه ، فطن الشيخ ان الجالس ليس من المستمعين..  فقال : بيك افندي بكم الساعة ؟ فاجتهد رؤوف افندي بتغيير صوته وقال بالتركية : العاشرة والنصف ، فختم درسه بعد لحظة واحدة واخذ في الدعاء قائلا : اللهم صل وسلم على رسولك الرؤوف الحسن ، وجمهور المصلين يتبعونه بكلمة أمين ، وبعد تمامه قال : هل تحتاج بعدها الى التكتم عني ؟! .

يضيف المرحوم رؤوف افندي فيقول مررت معه ليلة في سوق ، وبينما نحن نسير ونتحدث اذ ضربت بعصاي باب حانوت وقلت له : هذا حانوت صاحبك فلان ، فقال : كلا بل حانوته الحانوت الاخر الذي بلصقه ... فتح الشيخ عثمان مع شريك له حانوتا في الاستانة للوراقة ، فما جاءه احد يطلب كتابا بغياب شريكه الا ومد يده وسلمه اياه بصورة يعجز ذو الابصار عن مثلها .

وذكر الدكتور يوسف عز الدين ان المرحوم ناجي القشطيني حدثه انه رأى الموصلي مرة عندما كان صغيرا ، ثم قابله بعد سنوات طويلة ، فسلم عليه ، فقال : يا ناجي اصبحت رجلا .


وكتب الاستاذ محمد صديق الجليلي ان الاستاذ فاضل النوري حدثه بانه كان يسير في شارع الجسر القديم ببغداد سنة 1921 ، فقابله الملا عثمان الموصلي خارجا من سوق السراي ، فاقترب منه وسلم عليه فاخذ يده بين يديه واخذ يدلكها ، ثم قال : اهلا حفيدي شيخي وسيدي النوري .


وذكر حادثة اخرى عن مصطفى ابن الشاعر احمد عزة باشا الفاروقي بان الشيخ كان يصلح الساعات باللمس اذا كان العطب صغيرا فيها .

ذكر الاستاذ احمد محمد المختار مؤلف كتاب ( علماء الموصل ) بانه دعي مرة لتلاوة جزء من القرآن الكريم في حفل اجازة العالمين الاخوين محمد رشيد وسعد الدين أبناء الشيخ صالح الخطيب ، وكان الشيخ عثمان طالبا لدى والدهما ، فاذا بالشيخ عثمان الموصلي يقرأ من سورة الكهف قوله تعالى : (( واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان ابوهما صالحا فأراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما )) ، فدهش الحاضرون ، فقد كان والد هذين العالمين أسمه صالحا ، وقد تعلما علم والدهما على يد الشيخ عثمان الموصلي الذي كان هو بدوره طالباً لدى الشيخ صالح الخطيب ، وليس اجمل من العلم كنزا حفظه استاذهما الملا عثمان عن ابيهما .
نقلاً عن جريدة المدى العراقية

غزل حجاز بصوت الشيخ ملا عثمان الموصلي

 

غزل هزام بصوت الشيخ ملا عثمان الموصلي

 

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر