حكاية لم تكتمل فصولها...قصة العازف الراحل علي حمدان - الحلقة الثانية
2016-04-25
ترويها السيدة هناء حمودي والدة الفنان
ترويها السيدة هناء حمودي والدة الفنان الراحل علي حمدان
تعاقبت الأيام والشهور وأنا تلك الأم الجديدة السعيدة بلقبها الجديد الذي منحه الله لها من خلال ابنها علي ،فأنا الآن أم علي ......اللللللللله ........ما أجمل هذا اللقب .اشكر الله وأحمده.
تفرغت تفرغا كاملا لإبني ، طبعا أنا زوجة وربة منزل ولدي عملي خارج المنزل والحمد لله أن أعطانا نحن النساء القوة والصبر لنكون كل هذا ، أما علي فهو شغلي الشاغل ،كان عندي هاجس من قبل زواجي أن أعلم أولادي الموسيقا فهي في دمي وعروقي حيث نشأنا في بيت أهلي على الطرب الأصيل أنا وأخوتي صحيح أني لم أتعلم العزف على آلة موسيقية ولكن أذني نظيفة وهذا مهم وهذا ما قررت أن أنشئ أطفالي عليه منذ الصغر .
منذ أيام علي الأولى وهو يسمع النغم الجميل بشكل اعتيادي من خلال ما أسمعه أنا في البيت،وعندما أخذ وعيه يزداد بدأت أشده إلى النغمة الجميلة من دون أن يشعر بهذا ، يعني بطريقتي كأن أقول الله الله ما هذا اللحن الجميل وتراكمت الأمور بذهن علي تدريجيا ولم أكن أعلم أن علياً هو بحد ذاته لحنا موسيقيا سماويا أمطرته السماء على أرواحنا لتنبت وتزهر حبا وصفاء ونقاء هذا بالنسبة لعلاقة علي الأولى مع الموسيقا ، أما في الأمور الحياتية فأنا عندي مبدأ بالحياة وهو ألا ننظر إلى الأشياء من الخارج فخارجها مجرد قشرة وماديات لا قيمة لها ، ما جوهرها فهو المهم ، فإذا وعلى هذا الأساس الجسد قشرة والروح التي علمها عند الله والتي تسكن أجسادنا هو ما يعنينا ،فلنصقل أرواحنا بمحبة الله و بالإخلاص لعملنا الذي وجدنا على الأرض من أجله كل من موقعه ، هكذا نقوم برسالتنا كل قدر استطاعته والله هو المعين وهو القادر على كل شئ وهو الذي يفعل البداية والنهاية .
كانت علاقة علي بأخته جميلة فيها كل أنواع المشاكسات الطفولية فآيه طفلة هادئة كثيرا مطيعة غالباً متسامحة دائماً وبشكل جلي و واضح وهذا ما كان يستفز علي ويرغب باستفزازها ،سأروي لك حكاية كان علي فيها بعمر الأربع سنوات تقريبا ،يا لعلي ويا لشقاوة علي و يا لمشاغبة علي عندما يريد شيئا ،كنت عندما أنظف بيتي أشغل علي وآية بالرسم وأعطي لكل واحد منهما قطعة كرتونية وعلبة ألوان بلاستيكية صغيرة وأضع ألوان كل منهما في صحن صغير اختصارا للمشاكل وأطلب منهما أن يرسما حتى نضعها في المعرض والمعرض هو عبارة عن ستائر غرفتهم ويا له من معرض! المهم كنت أشغلهم بذلك حتى انتهي من عملي وفي احدى المرات راحت آيه تناديني وتشتكي بان علي يأخذ منها ألوانها فتركت عملي وذهبت لأحل المشكلة فأنكر علي هذا لاأعلم ما كان يدور بذهنه حينها أنهيت المشكلة بينهما وذهبت ومرة أخرى راحت آيه تشتكي وأخرى وأخرى وأنا أترك عملي وأذهب لفض الخلاف بينهما فقررت أن أحل المشكلة هذه المرة بطريقة مختلفة وقلت لعلي ما رأيك سأقوم بكسر كل قلم تلوين من ألوانك الى قسمين وبهذا يصبح عدد ألوانك أكثر وأيضا ستكون مختلفة عن ألوان آية فلا تختلط ببعضها ببعض ولن يحصل اختلاف بينكما ، وافق علي على الحل ولكن عيونه كانت تغزل وعلمت أن ذهنه راح يخطط لشيئ ما ، فنفذنا ما اتفقنا عليه وتركتهم وذهبت وإذ بآيه بعد قليل تناديني ماما أين اللون الأحمر واللون الأصفر ، فأتيت وقلبت الألوان وسألت علي فقال أنا لا أعلم أنا هذه ألواني كلها مقطعة الى قطعتين فنظرت الى صحن ألوانه وإذا به كان يأخذ من ألوان آية ويكسرها نصفين ويضعها في صحنه فكشفته ووبخته ولكنه رد عليَّ بضحكته تلك الضحكة التي ستبقى ترن بأذني حتى آخر يوم في عمري ، ضحكة علي كانت تلفت انتباه كل من يسمعها لقد كانت ضحكة لها ايقاع خاص ونغمة خاصة ومحببة لقلب من يسمعها جدا.
لدي فيديو لعلي يحتوي على حياة علي الموسيقية مرفقة بصور كتبتها له بطريقة تناسبه حيث جعلت مراحل عمره وكأنها موسيقى على المقامات الشرقية وقام بإغنائها وتنقيحها وإثرائها المبهر صديق لعلي رائد أيضا على مستوى القطر في مجال الفصاحة والخطابة حيث قام بإلقائها أيضا حين قرر النادي الموسيقي إقامة حفل تأبين لعلي من خلال شاشة اسقاط عرض في الحفل هذا الفيديو الذي سأحاول إرساله لك
مع معزوفات علي التي رأيتيها في صفحته لحن الخلود بالإضافة للقاء الذي أجرته معه قناة الجزيرة للأطفال عام ٢٠٠٧ وأيضا تضمن الحفل فيديو أجرته له منظمة طلائع البعث وأرسلته لنا لنعرضه في الحفل بالاضافة لكلمة أستاذه فهمي الشغري الذي تعلم علي على يديه ألف باء الموسيقى بشكل أكاديمي بالاضافة أيضا لكلمة مدام ملك دنورة أيضا التي تعلم علي على يديها ألف باء الموسيقى حيث استلمته من عمر الست سنوات وحتى بلغ عمره ثماني سنوات تقريبا ليست كاملة ومن بعدها راح يحلق على يدي استاذه فهمي الشغري وتضمن الحفل كلمة لفرع اللاذقية للطلائع وأخيرا كانت كلمتي أنا .كل ما ذكرته لك عن حفل التأبين حيث إشراف عليه أصدقاء علي وهم كالتالي (فوز جحجاح وهي أيضا كانت تتعلم الموسقى في النادي أيضا وشاب آخر اسمه ماهر عيسة وهو لم يتعرف على علي شخصيا أنما أراد مساعدتنا لكثرة إعجابه بعلي حين سمع عنه وأيضا فارس أحمد الذي أبدع بوصفه حين أضفى على قصة حياة علي كل ذاك الإثراء والشعر والنثر الجميل)أردت أن أذكر لك هذه الأسماء حتى لاأبخسها حقها فوالله لقد كانوا بمثابة الأخوة الحقيقيين لعلي.
جزئية ثانية من حياة علي تتضمن بعض الأحلام التي كنت أراها في منامي ، سأروي بعضا منها والتي أعتبره أمرا مهماً في حياة علي.
أول حلم رأيته بمايخص علي أتاني أمر فيه أنْ لا أتكلم أمام أحد بخصوصه وألا أبوحَ به أبدا وهذا ما فعلته باستثناء رجل دين جليل وقدير ذهبت إليه وحدثته بما رأيت وبصراحة أنا نادمة ما حييت على تصرفي هذا ولكن كنت وقتها في عمر لم يجعلني أقدر الأمر إلا بهذا الشكل وفيما عدا ذاك الشيخ لم أتفوه بحرف لغاية اليوم وسيبقى ذلك السر دفين في قلبي ما حييت بإذن الله .
أما بقية الأحلام فهي بغاية الجمال والقدسية ، سبحان الله والحمد لله! كم أنا سعيدة بقربي من الله و كم أشعر بالفخر والخشوع و الرضى أن كرمني الله بإبني علي رحمه الله و غفر له .
في فترة حملي بعلي ترددت على أحلامي كوابيس وكنت أستيقظ خائفة ويداي متشنجتان و متعبتان و هما ملتفتان على بطني حيث كنت أقاوم تلك القوة الخفية التي كانت تحاول الضغط على بطني من أجل قتل ابني وفي كل مرة و الحمد لله كنت أنتصر عليها وتكون قوة إيماني بإذن الله أكبر من قوتها ، والأهم والأعمق هي تردد السيدة القديسة مريم العذراء عليها السلام على أحلامي والعلم عندالله حتى أن هناك أحداثاً كانت تحدث في حياتنا أنا وأولادي متعلقة بها أيضا عليها السلام.
أول حلم أريد أن أخبرك به كان عمر علي حينها لا يتجاوز الأربع سنوات وهو كالتالي : رأيت نفسي أدخل مقام كان هذا المقام واسعا و كبيرا وعندما خلعت حذائي و أردت الدخول لفت نظري على الحائط قرب باب المقام مباشرة إسم إبني علي مكتوب عليه و قد علمت بالمنام أن المقصود به هو ابني علي وعندما دخلت المقام اكتشفت أنه مقاما للسيدة العذراء عليها السلام .
هذا أهم ما يميز المنام واستيقظت يومها من نومي سعيدة هانئة البال ومضى على هذا الحلم الذي رأيته وقتا ليس بالكثير إلى أن أتى اليوم الذي كنت فيه أنا وزوجي وأولادي بسيارتنا متجهين لزيارة أقاربي في إحدى قرى اللاذقية وفجأة تتسمر عيناي وأقول بصوت عالي وأنا مذهولة يا إلهي يا إلهي ،هل تعلمين ماذا شاهدت لن تصدقي ،لقد رأيت ذلك المقام الذي رأيته بالمنام سابقاً وبنفس الطريق ولكن بالطرف الآخر من الطريق وبنفس المنطقة سبحان الله بصراحة لم أنزل مباشرة لزيارته لا أعلم السبب الذي أخرني وقتها ولكن الله سبحانه يفعل ما يشاء وبعد فترة ذهبت و معي أولادي و زوجي وأختي التي قلت لك أني ولدت علي في بيتها ودخلت المقام وكلي خشوع وإيمان و رضىً ، وأضأتُ شموعي وحدثت رجل دين كان هناك عن منامي و طلبت منه أن أكتب اسم ابني علي في نفس المكان الذي رأيته بالحلم وهذا ما حدث بالفعل وقرأت الفاتحة وبعض الأيات القرآنية و صليت على سيدي محمد وآله الطاهرين و على أنبياء الله و رسله أجمعين و نذرت نذرا للسيدة العذراء لوجه الله تعالى وعدت للمنزل مشروحة الصدر والحمد لله .
وهناك منام أيضا متعلق بالنبي أيوب عليه السلام ،وهو أن رأيتُ تلةً مرتفعةً للغاية على شكل هرم وكان علي يتسلق عليها بجهد وجد وصبر يحاول الوصول للقمة وأنا أراقبه من الأسفل وأناديه أرجوك يا علي لا تبتعد أكثر فأنا أخاف عليك ألا تقدر على النزول وكان علي يجيبني وهو ما زال يستمر بالصعود ألاَّ تخافي يا ماما فأنا سأصبر كما صبر النبي أيوب وسأصل للقمة وبعدها سأعود وفعلا رأيته وهو يصل للقمة ومن بعدها رأيته ينزل سعيدا ويعود لحضني ،هذا هو ما يتعلق بهذا المنام والعلم عند الله وحده سبحانه وتعالى .
المنام الأخير الذي سأحكيه لك هو قبل يومين من وفاة علي عمليا وهو ما أضعه تاج على رأسي ،لقد رأيت أني في مكان لا أعرف أين يقع،،، تمثالا للسيدة العذراء عليها السلام بالحجم الكامل أي تمثالا كبيرا وأنا أقف أنظر إليها وكان يفصل بيني وبينها مسافة ليست بالقليلة بالطول والعرض وكان هذا الحاجز بيني وبينها عبارة عن صخر أو جليد لم أستطع التمييز بحلمي ،ورحت أقول لنفسي بالمنام طبعا يا الله كيف أستطيع الوصول إليها وهذا الحاجز يفصلني عنها وإذ بشخص غير واضح المعالم يظهر فجأة و بيده فأس راح يكسر هذا الحاجز أمامي بالمكان الذي سأمشي فيه للسيده بما يتسع لخطواتي فقط ومشيت بهدوء وخشوع باتجاهها وعندما اقتربت منها حركت يدها فخفت وتراجعت خطوة صغيرة على أثر المفاجئة وإذ بالعذراء تكلمني وتقول لي : (أنت خائفة وأتيت لي إرجعي إذا) فقلت لها (لا والله لست خائفة ولكني اعتقدت أنك تمثال وإذ بك حقيقة) فضمتني لصدرها وراحت تكلمني وتواسيني بكلام لا يشبه كلام البشر تلك الضمة لصدرها التي لو اجتمع حنان الأرض كلها من عليها وعطفها لما وصلوا لذاك الحد من الحنان والعطف والسكينة والحب الذي أعطتني إياه طبعا كان كلامها لي بالإيماء وليس كلام مثلما نتكلم وصحوت من نومي وهي تضمني لصدرها وكفها الطاهر يربت على كتفي عليها السلام والحمد لله فمن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
سأكتفي بهذا القدر لأني لو أردت إخبارك بكل شيئ فلن أنتهي فأعوام علي السبعة عشر كانت وكأنها سبعين عاما رحمه الله وغفر له .
الآن سأكتب عن حياة علي الموسيقية وبالتفصيل
منذ أيام أولادي الأولى كنت حريصة على إسماعهم الموسيقى والطرب الأصيل وبحكم أني من هؤلاء السميعة كان الأمر سهلا فما أسمعه انا يسمعونه وكنت أحلم باليوم الذي سألحق فيه أولادي للنادي الموسيقي ، في سنوات علي الأولى كنت ألاحظ كيف تلفت انتباهه جملة موسيقية فيقول لي جميل هذا اللحن ويا لسعادتي عندما كنت أسمع منه هذا الكلام ومضت السنين وأصبح عمر علي ما يقارب الست سنوات وعمر أخته آيه ما يقارب الخمس سنوات فأخذتهم وذهبنا الى النادي الموسيقي وقمت بتسجيلهم هناك ليتعلموا الف باء الموسيقى لم اكن اتوقع قبولهم لآيه بهذا العمر ولكنهم كانوا بتلك السنة يقبلون هذا العمر وهكذا أصبح علي وآيه منتسبين لذلك النادي الذي اصبح فيما بعد بيتنا الثاني ،تناقشنا بموضوع الآلة كان علي ميالا للأورغ لأنه يشبه آلة البيانو وآيه لم يكن عندها مشكلة بالموضوع أما أنا فقد شجعني أستاذ بالنادي على الأورغ وقال لي كلاما اقتنعت به وهو انهم عندما سيتعلمون العزف والموسيقى من الصفر ويتقنوها سيسهل عليهم فيما بعد العزف على أية آلة فيبقى عليهم اتقان خصوصية تلك الآلة وقد أثبت هذا الكلام صحته عندما أراد علي العزف على آلة القانون ،في البداية كان علينا شراء الأورغ فذهبنا نحن وزوجي واشترينا الأورغ ويا لسعادتي بسعادة أطفالي وبدأ المشوار الذي وضعت بذهني عدم التراخي فيه أبدا كنا نذهب للنادي ثلاث مرات بالاسبوع وكان برنامج النادي ومنهاجه ألا يتعلم الطفل عزف أي أغنية كما تفعل النوادي الأخرى إلا بعد انتهائه من الكتاب الأول كان هناك أهالي كثيرة تمل في بداية الطريق ومنهم من يمل في منتصفه و لا يستمرون فالموضوع والمواظبة عليه ليس سهلا وأولادي والحمد لله كانوامن الأطفال الذين استمروا وقد كان آخر درس لعلي قبل أيام من وفاته رحمه الله و غفر له حتى أني أستطيع القول بثقة وبشهادة أساتذة علي أَنَ علياً هو أكثر طفل مر على تاريخ النادي وحظي بكل ذاك اللمعان والنجومية وكم من أطفال انتسبوا لذاك النادي فقط لإعجابهم بعلي ،اذاً دخل علي النادي وهو بعمر الست سنوات وغادره لدار الحق وهو بعمر السبعة عشر عاما أي أمضى علي في حياته الموسيقية احدَ عشرَ عاما وكأنها يا أختي فاطمة حلما جميلا مر علينا فعلي أتى لهذه الدنيا نسمة ربيعية أزهر وأورق فيها ورحل تاركا القطاف لنا . تصوري يا أختي أني لو لم أقمْ بتصوير ما رأيتيه لعلي من تلك المعزوفات لكنت أمضيت عمري حسرة وألما وندما وآهات ولكن الله سبحانه هو من ألهم أستاذ علي الأستاذ فهمي الشغري بأن طلب مني أن نصور بعضها والتي تعتبر أهم ما عزفه علي وهذا عندما سافرنا الى مصر حيث ا قترح استاذه ان آخذ معي مجموعة من السيديات التي تتضمن معزوفات علي تلك التي قمنا بتصويرها لإهدائها لمعجبي علي هناك حتى يتعرفوا عليه أكثر ولولا ذاك الإقتراح لرحل علي ورحلت معه كنوزه ولكن الله شاء أن يبقى علي خالدا باقيا بروحه بيننا .كان علي وقتها ما زال بالمرحلة الأبتدائية من دراسته.
أنهى علي كتابه الأول ودخل المرحلة الثانية كانت تتضمن المقطوعات الغربية والأغاني الفيروزية بالإضافة لأغاني تراثية كأغاني صباح فخري مثلا وكثيرا من هذا النوع من الأغاني وطبعا كان أستاذ النادي يعطي الطالب النوتةالموسيقية ونقوم نحن الأهالي بتصويرها ويبدأ الطالب بالتدرب عليها في المنزل ،وما سهل الموضوع على علي أن تلك الأغاني كانت أصلا مخزونة في ذاكرته فهو نشأ عليها وهذا ما ساعده في اتقانها ومن ثم عزفها بالشكل المطلوب ،راح الوقت يمضي بأيامه وشهوره وراحت النوت الموسيقية تتراكم في منزلنا تلك التي أعتبرها كنوزا ثمينة وراح جو منزلي يتحول الى جنة موسيقية بديعة كانت تسلب لب كل من يزورنا ورحت أخاف الحسد وبالله المستعان ،كنت أخصص بعضا من الوقت ليتدرب علي على الأورغ والبعض الآخر لتدريب آيه فأنا لا أملك إلا آلة واحدة .
مع مضي الأيام راحت تبرز وتتجلى موهبة علي وراحت تطفو روحه العذبة على أنغامه لتظهر جلية لكل سامعيه وبدأ يلقى الاستحسانات والتشجيع على المضي قدما من الأساتذة الكبار الذين كانوا يترددون على النادي أذكر منهم الأستاذ زياد العجان فقد كان معجبا للغاية بموهبة علي وكان يشجعه دائما، وأصبح علي جاهزا وقادرا على الوقوف على خشبة المسرح ليشجي الجمهور بأنغامه وروحه العذبة ويطربهم ولكن وبكل صراحة كانت نشاطات نادينا الموسيقي كسولة وخجولة حتى أني أستطيع القول أن رحلة علي بالنادي انتهت من دون أي حفلة تخص النادي بشكل خاص باستثناء بعض الأمسيات التي كان يجريها النادي لتشجيع الأطفال وكانت تقام في النادي كان علي آخر من يقدم معزوفاته دائما لأن الأساتذة يعتبرونه ويقدمونه مسك الختام ، فمشاركات علي كانت كلها تابعة لمنظمة طلائع البعث ولإتحاد شبيبة الثورة ،ولهذه الأسباب كانت أولى مشاركات علي في الصف الرابع الإبتدائي من خلال ملتقى أقامته منظمة الطلائع عزف علي خلالها ثلاثة معزوفات هي (أغنيتين لفيروز ،كان عنا طاحون ،و كان الزمان وكان ،ووصلة لصباح فخري ) كان هذا في عام ٢٠٠٤ بحضور محافظ اللاذقية آنذاك وأمين فرع الطلائع وأمين فرع الحزب وأمين فرع اتحاد الشبيبة ولفيف واسع من الجمهور انهال بالتصفيق الحار لعلي نال وقتها إعجاب كل من سمعه وراحوا يتسائلون من يكون هذا الطفل ؟ يا اللله يا لروعة تلك الذكريات واللحظات ولكن للأسف لا أملك أي تسجيل أو تصوير لذاك الحفل ولكن استطعت أن أحصل على بعض الصور الثابتة يومها اخترت أجملها وكبرتها ووضعتها في برواظ وزينت بها جدران منزلي
وراحت بعدها الصور تتالى نسيت أن أذكر لك أن ذلك الملتقى كان في اللاذقية يومها ذهب مدير مدرسة علي وإحدى معلماته لحضوره وتشجيعه وأذكر أنني وزوجي وعلي وآيه عدنا للبيت لا تسعنا الفرحة ، ثم تتابعت المشاركات وازداد علي مثابرة ومواظبة و جدا بالعمل و التدريبات و أصبحت ساعات تدريبه خلال النهار تزداد هذا بالإضافة لواجباته المدرسية
في عام ٢٠٠٦ تقدم علي للمشاركة بمسابقات الرواد على مستوى القطر بالعزف على آلة الأورغ الإختصاص الشرقي اصبح علي يهوى اللحن الشرقي ويبدع فيه ،وتوجهنا الى محافظة حمص المكان الذي تقيم فيه منظمة الطلائع هذه المسابقة عزف فيها علي أمام لجنة التحكيم لحن الخلود وتوته ولونغة شهناز وليالي الجزائر وحلق علي عاليا تاركا في قلب كل من سمعه صدى روحه التي كانت هي من تعزف وليس تلك الأنامل الصغيرة السحرية ،خلال اليوم الأول و الثاني للمعسكر لم يبق لا كبير ولا صغير إلا و عرفه حتى رئيس منظمة طلائع البعث وأعضاء بالقيادة القطرية عندما كانوا يقيمون جولة لتفقد أجواء المسابقات لفت انتباههم حينها علي و أثنوا عليه وتصدر علي نجومية المعسكر وراحت بقية الفروع من بقية المحافظات تطلبه للمشاركة بأمسياتها
تعرف علي خلال ذلك المعسكر على الكثير من الأصدقاء من بقية المحافظات وأصبح لعلي بيت في كل محافظة حيث هذه هي الملكية الحقيقية فأن يكون لك أحباء وأصدقاء في كل مكان هذا يعني أنك تملكين بيتا في كل مكان وهذا ما كانه علي والحمد لله على فضله و نعمه هذا كله بالإضافة للقاءات التلفزيونية التي كانت تجريها القنوات السورية مع الاطفال ولكن ليس أحدا مثل علي وهذا الكلام ليس لاني أمه إنما بشهادة الجميع فعلي موهبة مختلفة عن الآخرين فالموسيقى ليست أداء صحيح فقط وأنما بالدرجة الأولى إحساس ويا لذاك الإحساس العالي الذي أنعم الله سبحانه به لعلي بالإضافة لرقيه بالتعامل مع الآخرين ولتواضعه الذي كان يميزه عن بالبقية وأكبر دليل على كلامي أن علياً لم يشعر أحدا من أصدقائه بالتعالي والغرور فلطالما كان يقول لي : لا أشعر يا ماما أني صنعت شيئا بعد فالطريق ما زالت طويلة والموسيقى بحر كبير .
كنت أشعر بالسعادة والفخر لإحساسه هذا فأسوأ ما يمكن أن يصيب الإنسان هو الغرور والتعالي على الآخرين ، فإن فتحت محفظة علي الصغيرة اليوم تشاهدين ان ما زال بداخلها صور لبعض أصدقائه الذين تعرف عليهم في أول معسكر له ومنهم صديقته وفاء سآتي على ذكرها في معسكر القنيطرة.
انتهى المعسكر وعاد الجميع الى بيوتهم محملين بالذكريات الجميلة وآه وملايين الآهات يا بلدي الحبيب سورية كم كنت جميلة وخيرة ومعطائة وكم كان علي فخورا بك إلى أن طالته يد الغدر.
بعد فترة من الزمن لم يتوقف علي عن التدريب وإنما زادت ساعات تدريبه وازداد شغفه بالموسيقى أكثر وأكثر علمنا ونحن في النادي أن نتائج المسابقات قد ظهرت وها هو علي يحمل لقب الرائد على مستوى الجمهورية العربية السورية في مجال العزف على الأورغ إختصاص شرقي.
يا لتلك الفرحة التي لا تضاهيها فرحة ومهما حاولت التعبير لن أوصل لك حجمها وطعمها ولونها حتى أني الآن أخط لك ودموعي تسيل ليس هناك بالدنيا أجمل من طعم النجاح هل تعلمي أن فرحتنا نحن أهله كانت تكون كبيرة وواضحة أكثر من علي لا أعلم ما الشئ الذي كان يعني علي أكثر في هذه الحياة ولكن وبعد أن لاقى وجه ربه سبحانه وتعالى علمت ما هو فعلي ولطالما رددت هذه العبارة لم يخلق ليحيا وإنما خلق ليحيي قلوب الآخرين به هذه العبارة الرائعة التي أنصفه بها صديقه فارس أحمد الذي سمعت صوته بإلقاء التأبين .
علي يا حبيبي كم كانت هذه الأرض ضيقة عليك وكم كنت مولعا بالعلو والتحليق فوقها وكم من مرات ومرات ومرات صحوت من نومي و أنا بغاية السعادة لأني كنت أرى حلما كان يتردد علي وهو أني أمسك بيدك الحنونة ونطير عاليا أنا وأنت محلقين بلا أجنحة سعداء ونحن ننظر للأرض من فوق وكنت أحدثك عن هذا المنام وكم كنت تسعد به وتقول لي مازحا تعالي لنجرب ونطير لم أكن أعلم أنك ستطير بمفردك وتتركني ولكن لتعلم يا حبيبي أن أمك كما عهدتها بإذن الله صابرة مؤمنة بقضاء الله وقدره أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجمعني بك في جنته بالقرب من الحبيب المصطفى .ولتعلم أن مثلك لا يموت فإن فني الجسد فالروح باقية وروحك الطاهرة الزكية ما زالت تعانق روحي والحمد لله وروح كل من عرفك وسيعرفك باذنه تعالى .
عادة في منظمة الطلائع عندما تظهر نتائج مسابقات الرواد يقيمون معسكرا ترفيهيا لمدة عشرة أيام وهذا ما حدث واتى موعد المعسكر وكان مكانه في محافظة القنيطرة.
معسكر القنيطرة والي كنت مشرفة فيه والتي كنت سعيدة بمكانه الذي سيبقى يذكر العالم بوحشية العدو الإسرائيلي وقد كنت أنا وأولادي وزوجي قبل فترة من الزمن في دمشق وهناك أخذنا الأولاد إلى مكان رائع بناء على طلبهم وهو بانوراما حرب تشرين التحريرية وهناك لفت نظري الى علي أشياء جديدة أضفت عليه المزيد من الرقي الإنساني فدموع علي المختبئة تحت قبعته لن أنساها عندما راح يشاهد الهمجية الصهيونية ولن أنسى انفعالاته وحركاته أللإارادية تجاه وحشيتهم عندما غادرنا ظل علي ساكنا صامتا مكتئبا لفترة من الزمن وراح يطالبني بالذهاب الى القنيطرة ليرى ما رآه بأم عينه وجاء طلبه على طبق من ذهب وهاهو علي يزور القنيطرة كانت يومها آيه بصحبتنا وكانت سعيدة برفقتها لأخيها وها هو الباص الذي يقلّنا يدخل القنيطرة وها هي نظرات أطفالنا جميعهم بلا استثناء تتعلق مدهوشة حزينة دامعة لما خلفه العدو الإسرائيلي من خراب وبنفس الوقت كانت نظراتهم كها فخر وشموخ أنهم وبفضل الله ومن بعده جيشنا البطل ها هم يدخلونها محررة وها هي القنيطرة تفتح أيديها لتحتضن أطفال سورية الحبيبة وليسوا كأي أطفال ،وبالعودة يا أختي فاطمة لما يحدث اليوم في سوريتنا وفي عراقنا وفي مصرنا وفي كل شبر أرض عربية أسأل نفسي لو كان علي ما زال على هذه الأرض التي تلوثت بإنسانها الذي كان بالأصل غاية وجوده فيها هو الرقي والحضارة والعمل المخلص والترفع عن مغرياتها الرخيصة لو كان اليوم ما زال فيها أسأل نفسي هذا السؤال عشرات المرات كل يوم وأكتفي بالصمت وقراءة الفاتحة لإبني ولكل من فارق هذه الأرض نظيفا طاهرا شريفا اللهم ارحمهم جميعا برحمتك وأسكنهم فسيح جنانك . ونعود الى القنيطرة المدينة المحررة ،قطعنا شوطا طويلا والأطفال كانوا متعبين فالطريق من اللاذقية الى القنيطرة طويلة جدا ،عندما وصلنا كانت بقية الفروع من باقي المحافظات قد سبقتنا وقسم منها لم يصل بعد وراح الأطفال يتراكضون لملاقاة أصدقائهم الذين تعرفوا عليهم في معسكر حمص وها هي صديقة علي المخلصة من فرع الرقة الرائدة في مجال المسرح تركض وتقول لي ( يا خالة ،يا علي أهلا بكم لقد طال انتظاري لباص اللاذقية )وعانقتني وتعانقت هي وعلي عناق طفولي صافي برئ وعرفناها على آيه والتي أصبحت فيما بعد صديقتها وبعد قليل طل علينا صديق علي من محافظة السويداء واسمه همام وهو رائد بالغناء وهو أيضا من الأصدقاء المخلصين لغاية اليوم وإن بدأت أعدّ لك أسماء أصدقاء علي فلن أنتهي ولكني ذكرت اسم وفاء وهمّام لأنهم ظلوا أصدقاء مقربين وعلى تواصل لآخر لحظة وبعد رحيل علي صدقي أنهم لم ينسونا وهم يقومون يزيارتي لغاية اليوم أرتمي وأعانقهم وأقول لهم أنتم من رائحة الغالي مكانكم في قلبي اتسع أكثر .
معسكر القنيطرة كان مميزا بكل شيئ فهو ترفيهي لنخبة أطفال سورية ولا أبالغ إذ قلت أن علي من أول يوم راح المعسكر كله يعرفه ففي سهرة أول يوم شارك علي بالحفلة المسائية وأطرب كل الموجودين لم يعزف لهم معزوفات ثقيلة وإنما أغاني تناسب جو السهرة أذكر منها معزوفة دقوا المهابيج للسيدة فيروز والتي رافقه صديقه طارق بغنائها والتي جعلت الموجوين ينزلون الساحة للدبكة عليها كبارا وصغارا ،بالإضافة لمعزوفات أخرى ، فعلي عندما لا يكون يريد العزف فليس هنالك قوة في الأرض تستطيع ان تغيير رأيه وإن أحب العزف وأراده أبهجك وأطربك وأبكاك وأضحكك وجعلك تحلقين فهو حينها يكون قد سلطن وانفرد بأحاسيسه ناسيا كل من حوله وسوف أمر على بعض الأمور التي مرت معنا في القنيطرة والتي ما زال من شهدها يحكي عنها لغاية اليوم.
أمضى الأطفال وقتا ممتعا في القنيطرة بين الترفيه والعمل ،كان كل فرع من فروع القطر يقدم شيئا جديدا في كل صباح عندما تقوم قيادة المعسكر بجولتها الصباحية ،كان صديق علي الرائد بمجال الفصاحة والخطابة يقوم بكتابة أبيات شعرية وطنية وبعدها يقوم علي بتلحينها ليغنيها طارق صديق علي الرائد بالغناء ،طبعا الكلام خفيف وأيضا اللحن الذي يقوم علي بوضعه خفيف أيضا يناسب عمرهم الموسيقي ،عندما سمع المختصون بالموسيقا هذه الأعمال أعجبوا بعمل الأولاد وقام البرنامج الخاص بالطلائع بتصوير أحد هذه النشاطات لعرضها على التلفزيون ،فقد كان البرنامج يعرض أعمال الأطفال في المعسكر بشكل يومي ،فهدف المعسكر هو صقل هوايات الأطفال بالدرجة الأولى .
انتهى المعسكر وراح الأطفال يودعون بعضهم ويتواعدون أنهم سيتراسلون ويزورون بعض وأنهم لن ينسوا بعض ،وعادوا إلى محافظاتهم وبيوتهم محملين بالذكريات الجميلة . وعاد علي لمتابعة تدريباته الموسيقية بعد أن أضاف له معسكر القنيطرة الكثير لأن التدريب الجماعي الذي كان أساتذة المعسكر يجرونه للأطفال على شكل فرقة جماعية أضاف للأطفال أشياء جديدة حينها علي لم يترك آلة إلا وحاول العزف عليها ويا لسعادته عندما رأى نفسه أنه بقليل من التدريب على خصوصية كل آلة سيكون قادرا على العزف عليها ومن حينها وضع بذهنه آلة القانون التي شجعته عليها الأستاذة ماريا أرناؤوط فيما بعد.
سأكتفي بهذا وسأعود لاحقا للتحدث عن رحلته الى احدى الدول العربيه