تفاصيل المقال
صدور كتاب جديد عن الموسيقار روحي الخماس لهشام عوده
15-06-2015
هشام عودة يرصد أهم مراحل الموسيقار الفلسطيني العراقي الذي عاش في بغداد منذ النكبة الفلسطينية، فاستقبلته وفتحت تاريخها الموسيقي له.
بقلم: سليم النجار
نقلاً عن موقع ميدل ايست أونلاين
خدمة جليلة للأجيال
إذا كان الموسيقيون قد غيروا تطوراتنا العميقة، وتنبأوا بالأحداث المأساوية للقرن العشرين، فإن روحي الخمّاش يجمع، إلى وراء قواهم الخلفية شعوراً غريباً يربط الهلع باللعبة الوجودية بين الإنسان والموت، فالإحساس، بشكل متناقض، لا يدفعنا إلى الهاوية، بل إنه ينفتح بالتأكيد على وجوه تؤدي إلى عالم قد شوهد في السابق، على طريق أشعلته جميع أهوال الأرض، هناك يأس ضمن هذا الرعب، ويحتاج الموسيقي إلى برودة الدم للتعرف إليه، وكأنه كاهن، مظاهر العاطفة التي تطبع على جسم البشر في تلك اللحظة.
صدرت الطبعة الأولى من كتاب الشاعر والصحفي هشام عودة الذي جاء تحت عنوان (الموسيقار روحي الخماش .. سيرة وإنجازات) عن دار أمواج ـ عمان 2015.
في هذا الكتاب رصد عودة أهم مراحل الموسيقار الفلسطيني العراقي روحي الخماش الذي عاش في بغداد منذ النكبة الفلسطينية، والتي استقبلته وفتحت تاريخها الموسيقي له لينهل منه ويطوره.
منذ البداية يتحدث عودة عن مسألة غاية في الأهمية، وهي "نزوح" الفنان الفلسطيني من وطنه إلى خارج وطنه، وهذا الأمر يعود إلى بداية القرن الماضي، وربما قبل ذلك، وكان البعض من هؤلاء أطلقوا مواهبهم خارج فلسطين، أجاد وأبدع ولفت الانتباه إليه.
وفي نظرة بانورامية على مشهد الغناء والموسيقي في العراق، منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الثلث الأول من القرن الماضي، يركز عودة على ما يلي:
أهتم الخماش بالأغاني الوطنية، دون أن يقدم جديداً فيما ورثه الرواد الذين بحثوا في المدرسة البغدادية التي حافظت على المقام العراقي، وأسحرتنا أنواع جديدة، وقبست من الموسيقار روحي الخماش بعض فنونه، وهو القادم من مدينة نابلس الفلسطينية جراء نكبة هزت ضمير البشرية، فقد عثر الخماش على تراث غنائي وثقافي عراقي يتجاوز عمره 1200 سنة، من هذا الأرث القصي والموغل في القدم شهدت بغداد حراكاً موسيقياً يمشى مصارعاً بلا هوادة إرثاً جاهلياً فرضه استعمار شديد التخلف لم يتخلص منه هذا الحراك إلا بعد أن أنقضى أكثر من نصف القرن العشرين.
وفي فصل لافت يتحدث عودة عن روحي الخماش "ووصف الباحث العباس قيام الموسيقار روحي الخماش بتدوين المقام العراقي بأنه أهم حدث في تاريخ الموسيقى العراقية بما قدمه من خدمة جليلة للأجيال" (ص 71).
ويضيف عودة "وفي هذا السياق كنت قد أجريت حواراً صحفياً مع قارئ المقام العراقي المعروف الفنان حسين الأعظمي نشرته جريدة الدستور الأردنية في الرابع من يونيو/حزيران 2009 وسألته عن رأيه في تدوين المقام موسيقياً والدور الذي قام به الموسيقار روحي الخماش في هذا المجال فقال: كان واحداً من أبرز الذين دعوا إلى تنويط المقام العراقي وتدوينه" (ص 71).
وفي هذا يقول الدكتور على عبدالله إن الموسيقار روحي الخماش لم يتوقف عن مشروعه في تنويط المقام العراقي، بل ظل مستمراً عليه حتى وفاته، وكان الخماش جريئاً في إقدامه على هذه الخطوة، وقد سبقه إليها الفنان جميل بشير إلا أن حجم الإنجاز الذي قدمه الفنان جميل بشير هو أقل من حجم الإنجاز الذي قدمه الفنان روحي الخماش، لكن المفارقة أن الموت هو الذي أوقف مشروع هذين الفنانين.
وبالعودة إلى كتاب هشام عودة فالموسيقى في العراق حسب رأيه تقوم على فرعين يتفرع عنهما ما اصطلح على تسميته قوالب التأليف الغنائي وينحصر التأليف فيه في القوالب الفنية التي أبدعها العرب كالقصيدة والأغنية الدينية والموشح والأغنية الشعبية وغيرها، أما الفن الحديث الذي دخل على الغناء منذ ثلاثينيات القرن الماضي فتندرج فيه القصيدة الغنائية والأغنية الدارجة والأغنية الشعبية المطورة وغير ذلك.
ولا تزال بغداد حتى اليوم سيدة المقام العراقي، وهنا يفرد الصحفي هشام عودة صفحات للدور الذي لعبه روحي الخماش في تطوير الموسيقى في بغداد، وكما ذكرها الباحث حبيب ظاهر العباس: "بعد دخوله إلى دار الإذاعة العراقية سنة 1948 أثار ذلك ثورة في مجال الموسيقى وعلومها"، قراءة وكتابة النوط ونظرياتها، إذ التف حوله أغلب العاملين في حقل الموسيقى وهم مذهولون من قدراته ومؤهلاته الكبيرة وسعة مداركه، إذ كان أغلب الملحنين آنذاك يحفظون ألحانهم شفاهياً بسبب جهلهم بكتابة وقراءة النوطة الموسيقية، ومن هنا ازدهرت الحركة الموسيقية" (ص 51 ـ 52).
ويستحضر الصحفي هشام عودة دور روحي الخماش فيقول إنه كان من أبرز الذين لحنوا ونشروا الأناشيد الوطنية في أرجاء العراق، فضلاً عن جهوده المشهودة التي بذلها في تدوين الأناشيد، حيث أصدر عدة مطبوعات بالتعاون مع وزارة التربية، وبقي أثرها واضحاً كمناهج للمدارس، ويعد الفنان روحي الخماش من أنضج وأدق الذين دونوا المقام العراقي والغناء الريفي بالنوطة الموسيقية.
ويذكر عودة أن الموسيقار الخماش وبعد جهود مضنية امتدت ثلاث سنوات حقق مع الباحث ثامر العامري كتاب "المقام العراقي والغناء الريفي"، قام من خلاله بأعظم حدث في التاريخ الموسيقي والغناء العراقي، إذ ثبت ووثّق للأجيال اللاحقة طريقة قراءة المقام العراقي والغناء الريفي.
وبمزاج مهني وصحفي يرصد عودة أهمية الخماش في نشر الثقافة الموسيقية ودوره في صياغة ثقافة فنية تقيم علاقة وثيقة بذائقة الجمهور، بحيث إن نباهة الخماش تكمن في استدراكه لتحقيق الثقافة الموسيقية في واقع المجتمع العربي، يتم عند التقاء غايات تتساوى فيها أهداف الفنان مع ذائقة الجمهور وخبرة العمل الفني، رسخت هذه الأفكار في عمل الموسيقي الخماس حتى أضحت عنصراً ملازماً في بنائية الرؤية الموسيقية لديه، كما كان الموسيقار الخماش مسكوناً بفنه متفرغاً لموسيقاه، وكان يرى أن تعميم الفائدة ونشر الثقافة الموسيقية في المجتمع تأتي من خلال العمل الجماعي والجهود المشتركة، فالعمل الفردي على أهميته وبنوعيته يظل عملاً محدود التأثير.
ومن هنا رأى في الفرق الفنية والموسيقية والإنشادية الرافعة التي تخدم مشروعه الفني والموسيقي، وهي القادرة على نقل هذا الفن للمجتمع من جهة، والقادرة أيضاً على إنتاج فنانين وعازفين وموهوبين يمكن لهم الإسهام في تطوير الموسيقى وإغنائها بمواهبهم وتجاربهم، لذلك حرص الموسيقار الخماش على القيام بتأسيس الفرق الفنية والإنشادية في كل المواقع التي عمل فيها، سواء كانت مواقع فنية أو موسيقية متخصصة أو غير متخصصة.
ويسجل للموسيقار الخماش إنجازاته الخلاقة في هذا المجال، فقد قام بتأسيس فرق فنية أسهمت بدور كبير في حفظ التراث الفني العراقي وتطويره، ومن الفرق الفنية والموسيقية والإنشادية التي أسسها الموسيقار الخماش في العراق، أو كان له دور رئيس في تأسيسها: فرقة الموشحات عام 1948 التي تحول اسمها عام 1961 إلى فرقة أبناء دجلة، فرقة الموشحات الثانية أو فرقة الإنشاد العراقية وغيرها من الفرق التي تركت بصمة واضحة في مسيرة الفن والغناء والموسيقى في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين.
وقد ذكر المؤلف علاقة الفنان روحي الخماش بآلة العود بأنها علاقة قديمة تعود إلى سنوات طفولته الأولى، وقد درس العزف على العود أكاديمياً ثم أصبح أستاذاً في تعليم العزف عليه، وكثيراً ما كان يفكر بتطوير أداء هذه الآله الموسيقية التي رافقته طوال عمره، ورأى هذا الفنان الموهوب أن الوتر السادس الذي أضافه الموسيقار فريد الأطرش لم يحقق ما كان يصبو إليه من تطوير، فقام بإضافة وتر سابع للعود، وهذا إنجاز فني كبير يحسب للفنان الخماش.
وعند الموسيقيين فإن الوتر السابع يعني استناداً إلى السلم الموسيقي صوت "فا"، وهو ما يعرف بجواب الجواب، وبهذا الإنجاز الكبير فإن الفنان روحي الخماش قدم للموسيقى العربية ما كانت تفتقر إليه آلة العود، لأن إضافة الوتر السابع كما يؤكد ذلك الموسيقيون قد أسهم في اكتمال أصوات العود في كل مراحلها الثلاث، وهي القرار والجواب وجواب الجواب، وقد وفر بذلك جهداً كبيراً على الموسيقين والعازفين الذين كانوا يشعرون بأن آلة العود غير قادرة على تقديم حالة مكتملة للعزف.
وعن هذا الإنجاز الكبير تقول الباحثة فاطمة ظاهر: كان هدفه من إضافة الوتر السابع الحصول على الأصوات الكاملة التي تشرعها آلة العود لتسهل عليه أسلوب العزف والتكنيك وارتجال الأنغام، وقد وصف الموسيقار الدكتور علي عبدالله إضافة الوتر السابع للعود بأنه إنجاز موسيقي كبير، تفرد به الموسيقار روحي الخماش، وأهمية هذا الإنجاز أنه يفسح المجال أمام العازفين في استثمار قدر كبير من المساحة الموسيقية، ولإظهار الجمل الموسيقية بأبهى صورها.
والوتر السابع كما يراه الدكتور عبدالله يعني إضافة صوت جديد، فهو سوف يأخذ درجة من الغلظة أو الرفعة، "الغلظة إذا كان الوتر في الدرجة الواطئة، والرفعة إذا كان في الدرجات العليا أو المرتفعة"، وهذا يعني إعطاء الفرصة لخيال العازف من أجل التنويع في ألوان الصوت.
وفي مرحلة لاحقة قام صانع العود الفلسطيني الفنان عبدالرزاق الطوباسي، الذي كان يعمل أستاذاً للموسيقى في رئاسة جامعة بغداد، بصناعة العود المثمن، وهو عود مأخوذ عن مخطوطة قديمة للفارابي، وأضاف له وتراً ثامناً، وهي المرة الأولى التي يتم فيها صناعة مثل هذا العود، وأهداه للعازف المبدع نصير شمة، حيث ارتبط هذا العود باسمه في وسائل الإعلام، وبين أوساط الموسيقين الذين يستطيعون الحديث عن أهمية مثل هذا الإنجاز.
هكذا جاء هذا الكتاب كاملاً شاملاً لكل ما يخص علاقة الموسيقى بأنواعها المختلفة، فقد ألمّ الباحث بقضايا تعالج العلاقة الطردية والمتبادلة بين الموسيقى والثقافة بشمولها، وبذلك يكون هشام عودة نجح في مقاربة موضوع كتابه، بحكم تخصصه الصحفي الذي قدم فيه تجربة موسيقية عربية عراقية فلسطينية، لعبت دوراً كبيراً في تطوير الموسيقى العربية، بالإضافة إلى إغنائه للمكتبة العربية.
المزيد من المقالات