تعتبر البصرة من أهم المراكز الحضاريه التاريخيه بحكم موقعها المطل على البحر ، فهي حلقة الوصل بين العراق و دول الخليج العربي وبين العراق وافريقيا وشبة القارة الهنديه ، وتعتبر البصرة أقدم عاصمة للفن الخليجي حيث بها تاثرت معظم الاقطار الخليجية الاخرى.
تمتازالبصره بتراثها الموسيقي المتمثل بتنوع ايقاعاتها التي ورثتها عبر الاجيال. ومنها الوافده وخاصة الافريقيه التي تأثرت بها البصره بحكم موقعها الجغرافي كميناء بحري يستقبل الكثير من السفن القادمه من البلدان الاخرى ، وقد أصبحت هذه الايقاعات وعلى مر الزمان جزء من موروث المدينه . ولكن هناك تراث موسيقي من الايقاعات الاصيله والنابعه من عراقتها وتمتد جذورها الى عمق تأريخها ومن هذه الأيقاعات إيقاع الخشابه.
الخشابه موسيقيا تعني ايقاع من فصيلة البسيط ومن الوزن الرباعي واما الخشابه كتسميه فترجع الى الاشخاص الذين كانوا يقومون بصناعة السفن والزوارق الخشبيه في جنوب البصره وكانوا يقومون بإداء هذا اللون الغنائي خلال استراحاتهم وجلسات السمر الخاصه بهم والخشابه كلون غنائي يعني (غناء المقام العراقي بمصاحبة الآت الايقاع فقط ) وهذا ما جعل البصره تتميز عن بقية مدن العراق الأخرى مثل بغداد والموصل وكركوك في إداء هذا اللون في المقام العراقي .
يروي الدكتور "محمد مهدي البصير"
بان هذا اللون من الغناء يعود الى ثورة الزنج سنة( 255 - 270 ) هج (869 - 883 ) م
حيث شهدت البصرة في منتصف القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي) ما عرف بثورة الزنج الذين ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة المختارة ( جنوب البصرة ) قبل أن تنهار حركتهم بعد أقل من عقدين ، وذلك عندما جندت الدولة العباسية كل امكاناتها فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها.
عندما إستولى صاحب الزنج على البصره كانت تقام له حفلات ترفيهيه وقد طلب من المغنون أن يغنوا له مثلما كان المغنون يغنون في قصور العباسيين من أنماط غنائيه فاستجابوا له وغنوا المقامات مع الآت الايقاع فقط لانهم لم يكونوا يجيدون العزف على غيرها من الآلات الموسيقيه الاخرى وكانت هذه بداية غناء المقام العراقي مع الايقاع وحده والتي تميزت به البصره.
تقوم في البصره فرق شعبيه بتقديم فن الخشابه يطلق عليها اسم (الشدات) ومفردها (شده) وذلك في مناطق البصره المختلفه في المناسبات والافراح ، وعادة يكون عدد اعضاء الشده يتراوح ما بين عشرين وثلاثين شخصا ويكون جلوسهم على الارض المفروشه بالبسط ويتصدرهم في الجلوس عازف الايقاع الانفرادي على الطبله الصغيره والمصنوعه من الفخار وفتحتها الكبيره مغطاة بغشاء من جلد الاغنام او السمك وتسمى (الكاسوره) ، والعازف عليها يسمى(الكاسور) ويكون المسؤول عن انتظام الايقاع واعلان بداية ونهاية الغناء والتصفيق ، ويجلس خلفه مباشرة قارىء المقام ويكون عن يمينه عدد لايقل عن اربعة عازفي ايقاع ومثلهم عن يساره ويطلق عليهم اسم (اللوازيم) ، ومن ثم يليهم بالجلوس مجموعة المنشدين ويطلق عليهم اسم (الرواديد) وهولاء يقومون بالغناء الجماعي اضافة الى التصفيق الايقاعي ، وتتكون الوصله الغنائيه لشدات الخشابه ويطلقون عليها اسم (الفصل) من تقديم المقام العراقي ولابد ان يكون من مقام (البهيرزاوي) او (الحكيمي) فقط ، ويعود سبب تفضيل هذين المقامين على المقامات العراقيه الأخرى ، كونه ينسجم مع إيقاعات الخشابه التي حلت محل الجالغي البغدادي ، أضافةً الى أن هذين المقامين يتلائمان مع الثقافه والذوق العام للبصرين وهما الأقرب الى أجواءهم وروحيتهم .
يبدأ قارئ المقام بقراءة المقام متتبعاً كافة أركانه بدءاً من ( التحرير حتى التسليم ) وبمصاحبة ايقاع الخشابه البطيىء ، وعند إلانتهاء من المقام يتم تغير ايقاع الخشابه نفسه الى ايقاع أسرع وبزمن ثنائي لكي يقوم (الرواديد) بترديد اغنيه شائعه وبعدها يتغير الايقاع الى ايقاع ثنائي أيضاً ولكنة معتدل السرعه ويطلقون عليه اسم (خشابه جنوبي ) ، ومن خلاله يقوم أحد الرواديد بغناء انفرادي ما يشبه الموال أو الليالي ويطلقون عليه (المصري) ، بعد ذلك تعود مجموعه (الرواديد) لتقديم مذهب الاغنيه السابقه مع ايقاع الخشابه المصاحب لها ويختتم الفصل ، وفي جميع مسار الفصل يكون هناك عزف انفرادي للكاسور وتصفيق للرواديد.
أستمع الى عبد الرحمن أبو عوف وهو ينشد مقام البهيرزاوي مع إيقاعات الخشابه
هنالك العديد من فرق الخشابه (الشدات) التي كانت تقدم هذا اللون التراثي في مناطق البصره المختلفه وعادة كل شده تحمل اسم مؤسسها والكاسور الذي فيها ، وكل منطقة من هذه المناطق يوجد فيها (شَدّة خشابة) تتم تسميتها بأسم رئيس الشدة. والشدة تعني الفرقة ومن أشهر هذه الشدات:-
- 1شدة أبو دلم.. منطقة الزبير
2- شدة ملا عدنان .. منطقة الزبير
3- شدة حسين بتور .. منطقة البصرة القديمة
4- شدة محمد بتور .. محلة الباشا
5- شدة ربيع .. منطقة حمدان
6- شدة رمضان أبو راسين .. منطقة الفاو
7- شدة خلف السعيد .. منطقة او الخصيب
8- شدة يوسف الزين .. منطقة السيبة
9- شدة عباس حجي وابو مانع .. منطقة العشار
10- شدة العم أبو ناظم .. منطقة الساعي
أشهر من غنى المقام البصري ..
1- قارئ المقام المرحوم أبو صلب
2- قارئ المقام المرحوم خضير السياب
3- قارئ المقام المرحوم أبو عتيكة
4- قارئ المقام المرحوم إسكندر
5- قارئ المقام المرحوم حميد مجيد
6- قارئ المقام عبد الرحمن بوعوف
7- قارئ المقام حمد ضويان
8- قارئ المقام فاضل حجية
9- قارئ المقام المرحوم حميد الياسر
10- قارئ المقام كاظم حجية
11- قارئ المقام محسن الصانع
الجيل الثاني الذي أجاد أداء المقام البصري
1- جميل البصري
2- المرحوم ستار الحجي
3- عبد الصمد مهدي النجدي
4- قاسم الملا
5- جميل العوين
6- محمود البصري
7- ميثم أحمد
يبقى فن الخشابة العلم الاعلى بين الفنون البصريه الاخرى، إنه فن بصري بأمتياز ، أنتقل الى بلدان الخليج العربي من خلال انتقال العديد من قراء المقام البصرين الى الخليج وبعضهم من تجنس بجنسية البلدان التي رحلوا اليها ، وانتقلت معهم بعض من فرق الخشابه ، فأزدهر هذا الفن في تلك المناطق ايضاً ولكن تبقى اصوله وجذوره نابعه من منبعه الاصلي البصرة.
لقد ازدهر هذا الفن في مناطق أبو الخصيب والزبير والبصرة القديمة ومنطقة الفاو والسبية ومنطقة حمدان ... وغيرها ، وبمرور الوقت جرت عليه بعض التغيرات من ناحية الآلات المستخدمة حيث أدخلت عليه الآلات الحديثه (كالكمان والعود) وفي المرحلة التالية أدخل الأورك...هذا من جانب ، ومن جانب اخر فأن الفصل المغنى ( والذي كان يشمل قراءة المقام كما شرحناها أعلاه) قد تغير هو الاخر ، فالخشابه لم تعد مقتصره على قراءة المقام فقط وانما توسع من خلال تحويل معظم الاغاني الحديثه والدارجه للفنانين المعروفين مثل ام كلثوم ووديع الصافي وغيرهم من المطربين العراقيين والعرب الى الخشابه فظهرت هذه الاغاني بنمط جديد غير النمط الذي يغنية مطربه الاصلي ، وهذا يعتبر بحد ذاته نوع من التجديد والتنويع لفن الخشابة البصري الاصيل.