تفاصيل المقال
ليل البنفسج طالب القره غولي - الموسيقار والباحث سالم حسين الامير
19-09-2013
ليل البنفسج - طالب القره غولي
الملحن والمبدع طالب القره غولي رحمه الله
امسكت بقلمي لأكتب مايدور بخاطري وما احمله من مساراة وحكايات فنية وذوقية عن الفنان والملحن المبدع الذي رحل عن هذا العالم المليء بالصخب والفوضى واللعب في جميع مناحي الحياة الا وهو الملحن المبدع طالب القره غولي رحمه الله غير ان العبرة والحزن وصورة الفقيد التي مثلت امامي وفي مخيلتي توقفت عن الكتابة برهة ريثما ينتهي حوارنا بين النكاة والطرف الجميلة وبين المقارنة في الغناء الريفي ومن هو اكثر شجناً وتأثراً في المستمع لهذا الغناء حضيري ابو عزيز ام داخل حسن ، كان ذلك في المنتدى الثقافي العراقي في دمشق والاحتفال بنا انا وطالب القره غولي لنيل جائزتي الابداع في اوائل العام 2011 ، حضر هذه المحاورة الفنان الموسيقي خليل ابراهيم واخرون من جمهور الحضور واستقرت مناقشاتنا ان الصوت الشجي والمؤثر هو صوت المطرب داخل حسن وان صوت المطرب حضيري ابو عزيز صوت قوي وجميل وشاعر وملحن متطور في الغناء الريفي القريب من اغاني المدينة ، وعند استلام كل واحد منا جائزة الأبداع والتي فضلت ان يكون المكرم بهذه الجائزه معي هو الملحن القدير الفنان طالب القره غولي الذي اعطى للفن الغنائي الشعبي والريفي نمطاً جديداً لم يسبقه احد في هذا المجال لذا كان من ضمن (مبدعون خلال سيرتي وذكرياتي) وهو كتاب اضفته لكتبي التي الفتها وطبعتها ونشرتها ليطلع عليها جيلنا والاجيال التي تاتي بعدنا عن المسيرة الموسيقية والغنائية في بلادنا الحبيبة في القرن العشرين والتي تقتصر على من ابدع وجاء بشيء جديد لم يسبقه احد بذلك المجال.
تعرفت على طالب في اواخر الستينيات ، حيث دخل الاستوديو لتسجيل اول لحن للاذاعة وكنت انا جالساً في غرفة رئيس قسم الموسيقى بالوكالة ومهندس الصوت في الاذاعة السيد عبد الوهاب العزاوي لمعرفته وخبرته بالمقام العراقي وقد سجل هذا اللحن بصوت احد العاملين في القسم الموسيقي للاذاعة والذي كان يمتلك صوتاً حسناً ، واحب ان يسجل هذا اللحن باسم فني مستعار كان الاسم الحقيقي (بلاسم) ولكن للاسف فقد غرب عن بالي الان اسمه الفني ، وعندما احضروا التسجيلين الاول بصوت الملحن السيد طالب والثاني بصوت المغني بلاسم كان اداء طالب يعطيك الصورة الكاملة للشعر وكأنك مع الشاعر الكبير الغنائي الراحل زامل سعيد فتاح بينما اداء المطرب بلاسم كان جميلاً بصوته لكنه بعيد عن التصوير لمفردات الكلمة الريفية ونطقها كما يجب ، فرشحت ان تذاع بالتسجيلين وفعلاً تم ذلك غير ان التسجيل بصوت الملحن طالب هو الذي بقى مستمراً بأذاعته وبقى طالباً كما اراد ان يكون ملحناً لا مطرباً حسب رغبته رغم مقدرته الصوتية وادائه المميز.
التصقت الحان هذا الفنان المبدع بصوت جميل متكامل الطبقات الصوتية وحنجرة ذهبية متمرسة شجية معبرة ، ذلك صوت المطرب الكبير الفنان ياس خضر الذي الهم طالب خيالاً اوسع ومجالاً أكبر في نهج تطور الاغنية العراقية التي لايمكن ان نقول عنها اغنية ريفية ولا اغنية مدنية لون جديد لاذاك ولا هذا انفرد به هذا الملحن العملاق.
لم يكن طالب بعيداً عن الريف الذي ولد وتربى ونشأ فيه فأغنية (يلشاتل العودين ... خضر فرد عود) للمطرب الريفي الكبير ناصر حكيم رحمه الله والتي غناها بالثوب الجديد الذي البسها طالب القره غولي واداها الصوت الساحر الريفي المطرب حسين نعمة تجعلك تدخل في جمال الريف وعلى شواطئ أهواره بسمكه وأطياره فهذا الملحن العملاق قادر على أن يأتي بريف جديد محاك بالقصب والبردي والمؤطر بالحجر والمرمر.
اعادتني هذه الاغنية بذكريات اغنية ريفية جميلة للمطرب ناصر حكيم ، في صيف عام 1948 الا وهي (بشبابي وارد افديج عيني السمره ــ موش بحلالي) حيث جمعتنا جلسة جميلة مع بعض رموز شيوخ عشائر مدينة سوق الشيوخ بلد الشعر والغناء الريفي في ضيافة شقيقي الاكبر المربي السيد عبد المنعم حسين لتناول طعام الغذاء عندما كنا نسكن محلة الكريمات على شاطئ دجلة الخير ، وقد رغبوا الاستماع الى مطرب مدينتهم الحبيبة سوق الشيوخ ناصر حكيم فاحضرته وكنت حينها عازفاً ماهراً لآلتي العود والقانون وملحنا وشاعراً فغنى ناصر حكيم هذه الاغنية على شكل الاغاني البسيطة وهنا بعد ان توقف بعض الوقت وقد اعجبني كلامها والطور اي النغمة الريفية ، قمت بصياغتها بشكل جديد على نفس الطور فكان لها صدى كبيراً في اسماع الناس وحبهم لها بحيث كلما حضر ناصر حكيم للاذاعة لموعد بث اغنياته من الاذاعته ، احتشد الجمهور امام باب الاذاعة ليطلبوا من المطرب ناصر حكيم اغنية (بشبابي وارد افديج عيني السمرة) وكنت ملزماً في مرافقته في الحفلات التي يغني فيها هذه الاغنية لان لحنه الاول سيطر عليه فعلي ان اكون معه في الاذاعة لاغني الاغنية امام الفرقة الموسيقية ليحفضها من جديد.
من هنا علمت ان المجال الفني الذي دخلته أنا كملحن هو نفس المجال والتخيلات التي دخلها الفنان الكبير طالب القره غولي ونفس المجال دخله كل من المبدعين الرواد الملحنين اوائل القرن العشرين وامتداد لهم ، امثال الملا عثمان الموصلي شاعرا وملحنا ومنشدا للموشحات الدينية ، محمد القبانجي المبدع في المقام العراقي الذي اضاف الى المقامات العراقية مقامات اخرى وهو مطرب وشاعر وملحن، مسعود العمارتلي شاعراً وملحن ومغني، حضيري ابو عزيز شاعر وملحن ومغني ، صالح وداود الكويتي ملحنان عراقيان ، عزيز علي شاعر وملحن ومبدع في المنلوجات الاجتماعية والسياسية ، سالم حسين شاعراً وملحنا وعازفاً وباحثاً، سمير بغدادي ملحناً ومؤدياً، يحيى حمدي ملحناً ومؤدياً، رضا علي ملحناً ومطرباً، جميل سليم ملحناً ومغنياً ، احمد الخليل ملحناً ومغنياً، عباس جميل ملحناً ومغنياً، طالب القره غولي ملحناً ومغنياً وغيرهم من المبدعين .
فنانا الراحل طالب القره غولي هو احد الملحنين المبدعين والذي اعطى من موهبته الفذه في التلحين ولاكثر من ثلاثة عقود وما رسخ في الذاكرة والوجدان العراقي ، وكان بأمكانه ان يستمر في انتاجه وبغزاره لو كانت توفرت له الامكانيات الماديه لتسجيل الحانه، لكن ضاعت وذهبت تلك الفرص الثمينة التي كانت ستزيد اعجاباً وتطوراً للموسيقى والغناء في العراق ، ولا نقول شيئا اكثر من ذلك في تقصير الدعم للمبدعين في جميع المجالات الثقافية في العراق الحبيب قديما وحديثا بل يكاد يكون مفقوداً ، بينما باقي الشعوب تُعرف مثقفيها وموسيقاها وتحفز مبدعيها الى العمل والاجتهاد والعطاء المستمر ، لانها تدرك تماماً ان المبدعون هم وقود حضارتها ، انا لله وانا اليه راجعون ورحم الله طالب القره غولي واسكنه فسيح جناته والهم اهله وذويه ومحبي فنه الصبر والسلوان.
من روائع الفنان طالب القره غولي
طالب القره غولي - جذاب
طالب القره غولي - حنيت الك بالحلم
طالب القره غولي - ليل البنفسج
طالب القره غولي - حسبالي
المزيد من المقالات