صفحتنا على الفيس بوك

كتاب المقالات

التصويت

ما رايك بنشاطات مركز الوتر السابع؟
 جيدة
 مقبولة
 تحتاج الى تطوير
النتيجة

الساعة الآن

لقاء مع فنان

لقاءات فنية

خريطة زوار الموقع

اللقاءات مع الفنانين

لقاءات فنية

تفاصيل المقال

عندما يتضخم الإيقاع ويهبط الفن

29-03-2018

د. فتحي الخميسي

عندما يتضخم الإيقاع ويهبط الفن


 . . . . . . . . . . . . . . . . عندما يتضخم الإيقاع ويهبط الفن

أما بعد،
لو أن واحد من أهل الموسيقي سمع تلك الكلمات – تقولها فتاة لصديقها :
"يا بني فين اللحن؟ الغناء قليل جدا ! كله طبل! أنت بدائي خالص!"
فلن ينساها أبدا...
أثناء الثورة المصرية كان صديق وصديقته يسيرا في شارع "معروف" الشهير بوسط القاهرة، وقالت الفتاة هذه العبارة لصديقها الذي كان يحمل طبلا مدويا لا يقف لحظة عن قرعه وهو يغني.
لم تغادر كلماتها الساخرة الذهن أبدا، إذ أوجزت وببساطة كل مشاكل موسيقي اليوم بالقاهرة... لم تكن الفتاة تتصور إلى أي حد أصابت كلماتها كبد الحقيقة! لم تعرف إن في كلماتها تلك تكمن مشكلة التطور الموسيقي الآني...مشكلة أغنية اليوم "الإيقاعية" مقارنة بأغنية الأمس "اللحنية"...، أنظر معي إلي كل عبارة من العبارات الثلاثة فكل منها عبرة في حد ذاتها:
1. أين اللحن؟... الغناء قليل !
2. كله طبل !
3. هذا بدائي !
وبداية، يجب التوقف عند حقيقة واحدة خاصة بتقسيم الآلات الموسيقية، فالآلات الموسيقية نوعين: لحنية (كالعود) تصدر الألحان، وإيقاعية (كالطبل) تصدر الإيقاع.
1. أين اللحن؟
فعلا: أين اللحن في أغنية اليوم؟ إنك إن بحثت اليوم عن اللحن الغنائي فلن تجد منه إلا نتفا مبعثرة بينما الإيقاع وصوت الطبول الهادر لا يتوقف لحظة! أي أن النغم قليل وضربات الإيقاع كثيرة... بينما في أغنية عبد الحليم حافظ "لايق عليك الخال" أو فايزة أحمد "يا تمر حنة" نكاد لا نلحظ الإيقاع وإنما اللحن والنغم... على الرغم من وجود إيقاع في الأغنيتين بل وإيقاع عند حليم وفايزة في كل أغانيهم! لكن اللحن كان يملئ القلوب وينخفض له صوت الإيقاع إلى المرتبة الثانية... واليوم... انقلبت الأوضاع رأسا على عقب!
2. كله طبل!
للإيقاع بوجه عام وظيفة رئيسية فهو مُنْظِم لسير النغم ومُوَحِد للسرعة لضمان سير كل أجزاء الأغنية بوتيرة واحدة، حيث تسير دقات الإيقاع بسرعة واحدة فينتظم سير النغم وفقا لها. أما الآن فلا يكتفي الإيقاع بكونه ضابطا للحركة بل أصبح هو الرئيسي والأعلى صوتا!! بل أضحوا اليوم ينسجونه هو أولا ثم يرشقونه هنا وهناك بنغمات قليلة من الغناء! حتى إن المستمع لا يعود يتذكر من الغناء واللحن شيئا بعد انتهاء الأغنية. ومن ينتبه للأغاني السريعة لعلاء عبد الخالق مثلا أو نانسي عجرم (أغنية: ماشي حدي) أو أي أغاني أخرى سيلحظ على الفور غلبة وعلو صوت الإيقاع علوا ينشر الضوضاء في كل جانب! أين يمكننا مشاهدة مثل هذه الصورة الموسيقية المقلوبة؟ عند من غيرنا تجري: "غلبة الإيقاع" و"تهميش اللحن" ؟
ما من شك في أن الضفيرة الموسيقية في بلادنا مجدولة من جديلتين: اللحن والإيقاع، وغلبة الإيقاع يعني بداهة تهميش اللحن!! ويا له من هبوط موسيقي!
لماذا أصبحت كل أغاني اليوم إيقاعية؟ لماذا يقترن الهبوط الموسيقي الحالي بارتفاع شأن الإيقاع؟ لماذا يستطيع الطبل أن يهبط بالنغم وبالموسيقي كلها إذا طغي على الأغنية؟
... إنها أسئلة غائبة لم يطرحها أحد... ورغم ذلك فإننا سنظل نحوم حولها إلى أن نضع أيدينا على الإجابة !
3. فن بدائي!
في حياة الإنسان البدائي حيث القبلية والعشائرية، كان الإيقاع هو العنصر الرئيسي، بينما كان اللحن قليل النغمات قصير الحجم يجري وينتهي في لحظات عابرة وكأنه مجرد صرخات مبعثرة. وقامت ظاهرة "غلبة الإيقاع" عند الحياة القبلية على تعدد الإيقاع، أي على تركيب أكثر من إيقاع يصدحون معا في وقت واحد، مستخدمين لذلك أكثر من نوع للطبول. وقد قطعت العصور القديمة الخطوة التالية عندما شهدت الآلات اللحنية تطورا أكبر من الآلات الإيقاعية فنمت الألحان وأمتد زمن كل لحن داخل الأغنية الواحدة. ومن ثم، خطت العصور الوسطي (بداية بفرنسا في القرن التاسع الميلادي) الخطوة الثالثة بفضل ابتكار فن تعدد الألحان وتركيبها (وليس تعدد الإيقاعات)، فنمت الألحان أكثر وأكثر وتوارت الإيقاعات ولم تعد تحتل مركز الصدارة.
وليست السيمفونية سوي القالب الموسيقي الذي توصلت إليه أوروبا لإنجاز مهمة إنماء الألحان وتركيبها ووصول ذلك حد التقاطع والاشتباك المكثف لتلك الألحان، وتبوء الألحان لهذا السبب مركز الصدارة المطلقة في أوروبا.
هكذا مضي التاريخ كل خطوة فيه تفضي إلى مزيد من تطور النغم ومزيد من إخضاع الإيقاع لخدمة النغم والألحان .
والذي يجري في مصر والبلاد العربية الآن من استنهاض لعنصر الإيقاع وتصديره وتقديمه وإعلاء شأنه إنما يجري عكس مجري التاريخ الطبيعي للحياة الفنية... ولابد إن يؤدي هذا السير العكسي إلى تدهور وتخبط... وموسيقانا تسير في هذا الاتجاه العكسي وبالتالي تعاني الآن تدهورا وتخبطا !
فماذا تراه يحدث اليوم في أغانينا ؟ آنشاهد موسيقي الإنسان البدائي "الإيقاعية" تصحو وتنبعث وتسير بيننا من جديد؟ أين اللحن؟ أين الغناء؟ أكله طبل ف طبل؟ إنها حقا موسيقى الإنسان البدائي. كانت الفتاة على حق حين قالتها :
. . . . . . . .. . . . . . . ."فين اللحن؟ الغناء قليل جدا ! كله طبل ! هذا بدائي"
#فتحي_الخميسي

المزيد من مقالات نفس الكاتب

المزيد من المقالات

ابحث في موقعنا

شاهد قناة الوتر السابع

أحصائيات

عدد الزوار حاليا : 4
عدد زوار اليوم : 208
عدد زوار أمس : 441
عدد الزوار الكلي : 1080908

من معرض الصور

فيديوات الوتر السابع